حول تدفق تشكيل تازة التي أثث ذات يوم سفينة نوح قبل ربع قرن

عبد السلام انويكًة

من تسعينات القرن الماضي وحتى مطلع الألفية الجديدة حيث قمة فعل وصدى ومواعيد وإطارات وتطلعات. ارتبطت حركة تعبير تشكيل تازة لفترة بدينامية تفكير وتأمل أفرز ما افرز من بصمات يحفظها أرشيف المدينة وذاكرتها.

 

 

وهو ما لا يمكن القفز عليه ضمن ما طبع تازة من فعل ثقافي بتعدد مشارب وتباين روافد فضلا عن جدل إبداع، ومن ثمة ما أثث هذه الفترة التي يفضل البعض نعتها بالذهبية من لقاء تجارب وأسماء.

ولعله إيقاع لم يُعمر طويلا بكل أسف، فسرعان ما تحول كل تدفق وعطاء وإقبال وتماسك وتطلع فيه الى واقع فتور. بعدما عاشته المدينة تشكيليا على تباين ملمح وعصامية ومدرسة. من تأسيس تعبيري بصري باعث على أمل وأفق. فضلا عن حضور معبر لتشكيل تازة ضمن مساحة تجليات على هذا المستوى وذاك. من تجارب كتابة وإصدارات وفعل سينمائي ومسرحي وشعري وموسيقي..(ملصقات، مواعيد ثقافية، واجهات إصدارات إبداعية، أثاث تجارب سينمائية من قبيل سفينة فيلم “نوح” مثلا للفقيد محمد مزيان التازي)، وغير هذا وذاك مما بات فيه تشكيل المدينة بمكانة.

هكذا كانت تازة بنوع من الرهان على الثقافي الابداعي الإنمائي المحلي، وهو ما كان يبدو للكثير ولا يزال عالقا في ذاكرة كثير. لِما ما كان قائما من أثاث حراك وتناغم أجناس إبداعية. ضمن حدود معبرة من ميثاق واخلاقيات وقيم عمل وثقافة من اجل ثقافة وفن من اجل فن.

باعث هذه الاشارات والوصف والحديث، ما تحفظه ذاكرة المدينة من ذخيرة ثقافة ودينامية كانت الصورة والتشكيل جزءا لا يتجزأ منها الى عهد قريب. ممثلا في مكونات جمعوية عدة (جمعية فضاء المغارات، جمعية العبور..)، فضلا عن أسماء وتجارب هي بمكانة محفوظة لِما كانت عليه من بناء وحضور وإسهام ودعم وانتماء وغيرة.

ومن ثمة ما بلغته تازة من ملتقيات ولقاءات ومعارض وتفاعلات هنا وهناك بين تجارب وطنية وعربية وعالمية. وما خلقته ووفرته تجاربها وأسماءها وتعبيراتها من مساحة متعة وتأمل وسؤال وسفر ولحظة جمال.

بعض فقط من إثارة واطلالة خفيفة من شرفة تشكيل مدينة ذات يوم. وبعض من أمكنته التي بإحالات قائمة لحد الآن (بهو معهد موسيقي، قاعة ميموزا، بهو بلدية المدينة، مشور المجال العتيق وخزانته..). وبعض أيضا من تقاطعات حركة تازة التشكيلية التي حضرها أثر شاعر وروائي وقاص وموسيقي ومسرحي وسينمائي واعلامي عن موطن ووطن.

هكذا كانت لوحة “المدينة” جزء من وعاء ثقافة المدينة، وقد بلغت عبر مستويات تجاربها ما بلغت من اضواء وصدى.

وهكذا كانت ألوان وكثل ودوائر تازة بتناغم ووحدة رؤية، مع رهان وتفاعل وحدث وموعد وإضافة وإغناء وتعبير وإنسان وإنسانية انسان. فضلا عن مقام تجارب ومحطات باتت جزءا من ذاكرة المدينة وإرثها اللامادي الحديث.

كيف تبخر كل شيء أو يكاد في تقدير كثير بين مهتم ومتتبع؟. وإلى أين انتهت تجارب تازة وأسماءها الفنية التشكيلية بعدد تعبيراتها وإسهاماتها وحتى اختلافاتها؟. وأية وثائق لقراءة تجارب تشكيل في علاقتها بزمن تازة الثقافي الى عهد قريب؟. وأي تلاقح وسير ذاتية تشكيلية محلية وندوات لبسط ما هناك من ذاكرة؟. وماذا عن الأرشيف الخاص لدى فاعلين تشكيليين متميزين رافعين أثثوا هذا المجال ذات يوم. (صور، اشرطة، ملصقات، تفاعلات وطنية ودولية، تقديرات، مقالات، مطويات، لقاءات إذاعية وتلفزية..)؟.

أي تفكير في نواة أرشيف لجمع ذاكرة تازة الثقافية عموما، وفي شتى مجالاتها، ومنها التشكيل وبداياته منذ على الأقل ستينات القرن الماضي. لِما يمكن أن تسهم به هذه النواة من خدمة لكل بحث ودراسة واطلاع وتلاقح. من شأنه جعل الناشئة من الجيل الجديد بفكرة حول ما طبع المدينة من غنى ثقافي في كل تجلياته على امتداد حوالي نصف قرن من الزمن. ومن هذا التجلي ما كان عليه التعبير التشكيلي من بصمة محترمة. بدءً بتجربة ومسار وكونية شيخ وأيقونة الواقعية العصامية المغربية “أحمد قريفلة” التازي، رحمه الله، مرورا بباقي التجارب والأسماء المحترمة الأخرى الأموات منها والأحياء، وقد طبعت المشهد بوقعها وتوقيعها ذات يوم.

وغير خاف أن فعل تازة الثقافي الفني الابداعي الأدبي وغير الأدبي ومنه فعل التعبير البصري. كان بحضور وأسماء واسهامات انتهت لِما هي عليه المدينة من زخم ذاكرة مفخرة. ومن خزانة نتحت تجاربها من هنا وهناك. ونحتت في صخر على هذا المستوى وذاك. وجعلت تازة بموقع من المهم والمفيد الحديث عنه وتوثيقه حفظا لرسوماته ولوحاته لدى خلف. دون نسيان أن إيقاع المدينة الثقافي الابداعي هذا، لا يزال مستمرا ممتدا عبر ما هناك من إفرازات وتدافعات وهواجس ومواعيد ومسارات. لا شك أنها ستحضر ضمن قراءات ومقاربات ومقارنات وذكر. وضمن ما هو مكمل لِما طبع المدينة وتجارب اجيالها ومستويات تعبيرها ودرجات تميزها وتدفق أزمنتها.

يبقى ختاما بعيدا عن الاطالة ولأن الحديث عن زمن تازة الثقافي الابداعي ذو شجون. من المفيد الاشارة إلى أنه عندما نتحدث عن مشهد المدينة الثقافي منذ على الأقل استقلال البلاد وإلى غاية نهاية تسعينات القرن الماضي.

ومن هذا المشهد طبعا ما افرزته المدينة ومحيطها من فسحات تعبير تشكيلي منذ بداياته الأولى.

فالحديث عن كل هذا لا يعني ان تجارب وأعلام وعلامات ثقافة المدينة، وجدت بساطا مفروشا بالورود لسيرها ومسارها.

وعليه، قبل كل سؤال عنها وعما طبعها من فعل واسهامات وأثاث وعلاقات وقوة تدافع وامتداد وتأثر وأثر وتأثير، ومن ثمة من بصمة وتميز وتاريخ. علما أن فعل التشكيل الحديث في حد ذاته أمر وتعبير جديد. ظهر بالمغرب وبجميع البلاد العربية عموما اثر ما حصل خلال القرن الماضي من تفاعل واحتكاك بثقافة وحضارة غرب. وهو التأثير الذي جعل التشكيل المغربي عموما وتشكيل تازة، الذي بدأ يتبلور في صوره العصامية منذ استقلال البلاد. منفتحا على بيئة بادية ومدينة معا فضلا عن ارث اصيل تقليدي محلي مادي ولا مادي هنا وهناك. قبل كل رؤية وتجارب محددة بمرجعية فلسفية ومدرسة وتكوين.

 هكذا يبدو أنه قبل كل خوض حول كل سقف وقضايا ودرجة إضافة وأفكار وقناعات وتجارب ووعي وهواجس طبعت ثقافة تازة وتشكيلها. وهل تمكن فعل تازة الثقافي عموما عبر أثاث تجاربه وألوانه وكثل دوائره، من التعبير عما شغله من قضايا وطبيعة أحلام ورسالة وذات.

وقبل كل خوض حول فعل المدينة الثقافي من حيث ما هو هوية وفكر ومفاهيم ونظريات ومدارس وانتماءات وهواية واحتراف وافراز.. . وقبل كل سؤال عما هو وظيفي فضلا عن أثر تجارب تعبيرية ابداعية في علاقتها بما هو انمائي تنموي ترابي انساني جمالي.. الخ. لا بد من مساحة إنصات والتفات رصين هادئ لبعض ما طبع منطلقات هذه التجارب عموما. من حيث كائن حالها وأحوالها وإمكانها المادي ودرجة ما لاقته من صعاب وحفز وحضن وتثمين من عدمه… فضلا عما ينبغي من انصات والتفات أيضا لِما هو بيئة محلية وذهنيات وعقليات. ومن ثمة واقع حال أفرز ما افرز من أسماء وتجارب مستحقة كل عرفان واجلال واكبار.

التعليقات مغلقة.