بعد صمت طويل، كتب الياس العماري رئيس جهة طنجة تطوان الحسيمة رسالة الى اهله بالريف جاء فيها:
“إلى أهلي، أبناء بلدتي وكل أبناء وطني، أتوجّه إليكم في هذه الظروف العصيبة التي نعيشها جميعًا، وأبدأ بالتنبيه إلى أنني إذا كنت سكتت عمّا يحدث في قريتي ونواحيها، وفي مواقع أخرى في الجهة والوطن، فليس ذلك جبنًا ولا هروبًا، ولا لأنني لا أتوافر على جواب، ولكن لأنني اقتنعت بأن الصمت في بعض اللحظات قد يكون انتصارًا للوطن وللساكنة، ولا يضيرني أن يكون ذلك على حساب سمعتي وشخصي، وليس من شيمي أن أفرط في التصريح، فأتحول إلى بطل على حساب مصلحة بلدي… ماذا عساي أقول كمنتخب وكفاعل سياسي؟، هل أحكي لكم القصة لتعرفوا من المسؤول؟، أم أسكت صبرًا، وأنزف دمعًا ودمًا وحدي حفاظًا على الآخرين… نعم لقد تحملت منذ النشأة إلى الآن مسؤولية كبيرة… عن أشياء كبيرة وعن أشياء لم أكن طرفًا فيها ولا علاقة لي بها من قريب أو بعيد، ولم أكن حتى على علم بها… فماذا عساي أقول؟. ألم يقولوا إنني المسؤول عما حدث في الصحراء، فسكت. ألم يقولوا إنني المسؤول عن كل ما عرفه المغرب من انكسارات، فسكت. ألم يقولوا إنني وراء كل مصيبة ألمّت بوطني وبأوطان أخرى، فسكت. وقالوا إنني وراء نجاح وإفلاس وهروب واعتقال فلان وفلان، فسكت. وإنني صاحب التعيينات والطرد والتوقيفات، فسكت. واليوم يعلنون أنني المسؤول عن الفقر والبطالة والتهميش وغياب الديموقراطية والحقوق… وأنا الخائن الذي باع بمقابل وبدون مقابل.. وأنني أسست حزبًا مشؤومًا ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، وفي يده عصا سحرية يتحقق بتحريكها كل شيء.. يا أهلي من الأحبة والخصوم، ماذا عساي أن أقول لكم؟ لقد عاهدت ووعدت من علمني الحروف الأولي بأنني سأقدم مصلحة الوطن على سمعتي وشخصي، وأنا لست من الذين يتصرفون بردود الأفعال.. لعلكم تتذكرون أنني بصفة المنتخب المسؤول عن جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، تكلمت بحكمة، وبما تقتضيه شروط احترام الحكومة، والاستماع إلى نبض الساكنة، فراسلت كتابة الحكومة، في البداية الأولى لما اصطلح عليه حراك الريف، وتكلمت مرارًا وتكرارًا مع أغلب وزرائها للتدخل العاجل قبل فوات الأوان. فهناك من أجابني كتابة بأنه ليس من حقي مراسلته، وما بالكم بمطالبته بتحقيق جزء أو كل مطالب الساكنة… وواصلت الإلحاح على المطالب أكثر من مرة، وسيأتي اليوم الذي أقول فيه الكثير عن الذين طالبتهم بالإنصات للحناجر التي تصدح في المنطقة. وللتاريخ، لم يطالبني أي كان بأن أتدخل لا بصفتي الشخصية ولا الانتخابية ولا الحزبية، حيث ذهبت الحكومة في البداية إلى الحسيمة، وقرأت الخبر كغيري في الصحافة، وأعلن المحتجون عن مواعيد احتجاجهم، وقرأت الخبر أيضًا في الصحافة.. انتظرت الحكومة أن تجيبني عن ما اقترحت… وبعد كل هذا وذاك، أخذت المبادرة فقلت إن باب حوار مؤسسة الجهة مفتوح، وانتظرت الرد، فهناك من استجاب، ونحن نعمل معًا على حل المشاكل على قدر الاستطاعة، وهناك من سكت، وهناك من قاطع المبادرة وقال كلامًا سيئًا في حقي لا مجال لذكره هنا.. يا أهلي وأبناء وطني… يجب أن تعرفوا أنني كنت على معرفة شخصية بالمرحوم محسن فكري، وكان يتصل بي حتى قبل أن أكون رئيسًا للجهة وللحزب، إما لتجاذب أطراف الحديث والمزاح، أو للتدخل لحل مشكل ما… فكري بالنسبة إليّ لم يكن عنوان ألم وبؤس وظلم فقط، فكري بالنسبة إليّ هو كل هذا وأكثر، كان صديقًا شخصيًا… محسن فكري هو ابن ذلك الفقيه الذي كان رئيسًا لبلدية أمزورن تعرفت إليه سنوات الاحتجاجات، وأنا طفل أصرخ وأركض في الشارع بحثًا عن الحرية والكرامة. فأخذ بيدي، ونصحني بحكمة، مازلت إلى حدود اليوم أستحضرها في كل أزمة… وذكرته بذلك حين إلتقيت به هو وابنه في مدينة الحسيمة… فقلت له، يا عمي أنت لست فقط أبًا لصديق، ولا أبًا للشهيد.. بل أنت حكمة ساعدتني كثيرًا على بقائي موجودا إلى اليوم… لذلك عند استشهاده نزفت دمًا ودمعًا، وطالبت من رفاقي ورفيقاتي في الحزب بأن يكونوا جزءًا من الاحتجاج في إطار القانون للمطالبة ليس باعتقال من كان السبب في الحادث المأساوي، بل لاعتقال وإعدام الوضع والظروف التي كانت سببًا في رحيل محسن فكري، ورحيل من استشهد قبله. وإذا لم يتم القضاء على هذه الظروف فسيرحل آخرون… يا أهلي وأبناء وطني… ماذا تريدون؟ أن أنشر بيانًا أحمّل فيه المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك، وأدين الحكومة، أو أعلن العصيان، أو أن أقدم استقالتي لكي يهلل البعض بأنني بطل، وهذا هو إلياس الذي عرفناه.. لا، لن أفعلها.. أنا مستعد لتحمل كل أنواع الشتم والسب والإهانة، على أن أتحول إلى بطل من ورق على حساب مآسي سكان بلدتي وأهل وطني.. لقد تعلمت الصبر وأنا صغير، كنت جائعًا فصبرت، وحافي القدمين فصبرت، ونائمًا تحت الشجر من دون فراش ولا غطاء، فصبرت، وهاربًا فصبرت، ومطاردًا ومحرومًا من التعليم والصحة والسكن، فصبرت، ومحرومًا في صغري من حنان أمي وعطف أبي فصبرت، وتعرّضت لغدر أصدقائي قبل خصومي فصبرت؛ لأنني تربيت على أن الصبر مفتاح الفرج، وصبرت لأنني لا أريد أن أكون شيئًا آخر غير أنا… تعلمت من الكتب والرفاق والتجارب أن القضاء على الظلم والظالمين هو حرب طويلة النفس، والحرب معارك، والمعارك ربح وخسارة.. وأنا أفضل أن أخسر المعارك ولا أخسر الحرب.. هناك الكثير مما يقال، وسأقوله في حينه، وهذا ليس لا تهديدًا ولا فضحًا للأسرار، ولا أي شيء آخر… وكما قلت في إحدى تدويناتي السابقة، فقد عاهدت شخصًا عزيزًا عليّ ألا أكشف عما عرفته وعايشته طوال تجربتي إلا له، وسأظل أنتظره حتى يتفرغ من انشغالاته.. يا أهلي وأبناء وطني… لقد اتخذت قرارًا بناء على نصائح واتصالات رفاق وأصدقاء لي، من هذه الجهة أو من تلك، وأخذت مبادرة بصفتي رئيسًا للجهة لفتح حوار، وجعل الإشراف عليه، ليس في يد الجهة فقط، وإنما في يد كل الضمائر الحية، وفي يد كل من يريد مصلحة المنطقة والبلاد.. وهذه خطوة ليست ضد أحد، ولا تنتصر لهذا ولا لذاك، خطوة تنتصر لفضيلة الحوار ونعمة الاستقرار في ظل الكرامة حقوق الإنسان
التعليقات مغلقة.