تحية حزب جبهة القوى الديمقراطية للشغيلة المغربية في عيدها الأممي فاتح ماي 2021.

تخلد الشغيلة المغربية هذه السنة عيدها الأممي، الذي يصادف الفاتح من ماي كل سنة، في سياق وطني ودولي، يتسم بتجند دول العالم بقواها الحية والمنتجة، للعمل يدا في يد لمجابهة الجائحة الوبائية كوفيد 19 المتجدد. وقد بات المنتظم الدولي اليوم يستعير من القوات العاملة، شعارها المؤسس “يا عمال العالم اتحدوا”. ذلكم الشعار الملهم، الذي رفعته الأممية الثانية، منذ نهاية القرن 19، كتعبير عن الوعي المجتمعي بالمصير المشترك للشغيلة عبر العالم، الشيء الذي يستوجب العمل على توحيد النضال ضد كل أشكال الاستغلال من لدن الرأسمال ومن شطط وحيف أرباب العمل.
في هذا السياق، ترسخ الاحتفاء بالفاتح من ماي كل سنة، باعتباره عيدا أمميا يجسد ويذكر بوحدة القناعة والرؤى والحلول والأفق التحرري للحركة العمالية في كل بقاع الأرض، ضد كل أشكال الاستغلال والامتهان للكرامة والحقوق، بالرغم من اختلاف الثقافات والمعتقدات والانتماءات العرقية والجغرافية. فما أشبه الأمس باليوم، حيث تقف البشرية جمعاء عبر قارات المعمور الخمس موحدة في مقاومتها الجماعية لوباء “كورونا المعولم” لمكافحته والحد من آفاته وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية، وكأن العالم يؤسس لعهد جديد بشعار:” يا أمم العالم اتحدوا وتضامنوا من أجل القضاء على الجائحة لبناء مستقبل أفضل”.
وتأسيسا على ما سلف، فإن حزب جبهة القوى الديمقراطية، ذي المنطلقات والامتدادات المتجددة ضمن مسارات عائلة اليسار المغربي، حليف الطبقة العاملة في الفكر والنضال والمصير، وهو يستحضر دلالات وأبعاد هذا الحدث، وما يمثله من رصيد كوني مشترك لكل الشغيلة عبر المعمور، من كفاحات ونضالات ومكتسبات مادية ومعنوية، يتوجه باسم أمانته العامة وعبر مناضلاته ومناضليه النقابيات والنقابيين في مختلف المواقع النضالية إلى جانب القوى العاملة المغربية، بأحر التهاني والتحيات النضالية لمختلف مكونات الحركة العمالية ببلدنا العزيز، ويهنئهم جميعا، بمناسبة عيدهم الأممي 1 مايو 2021، على كل ما بذلوه من جهود، وما بذلوه من نضالات في الترافع عن مطالب وحقوق الشغيلة المغربية، مثمنا ذودهم المبدئي عن صيانة مكتسبات العاملين في القطاعات، التي ينتمون إليها أمام سطوة وتغول اجتياح الخيارات النيوليبرالية المتوحشة للرأسمال العالمي من جهة، وفي مواجهة اختيارات وسياسات الحكومة المعاكسة لكل ما هو اجتماعي ومطلبي للشغيلة المغربية.
إن حزب جبهة القوى الديمقراطية وهو يخوض غمار تجربة ناهضة ومتجددة في مسيرتها السياسية الفكرية والتنظيمية والنضالية والتواصلية الرامية إلى الانخراط الواعي في العهد الرقمي لما بعد كورنا، سواء على مستوى تقوية بناءه المؤسساتي، وتحيين مضامين مشروعه السياسي، وانفتاحه الطبيعي على مختلف الديناميات المجتمعية الحاملة لمشعل التنوير والتحديث والتطوير، في أفق إرساء النموذج التنموي المستقبلي للوطن، ليستحضر بغامر الفخر والاعتزاز ما راكمته أجياله التأسيسية، المخضرمة والتحديثية على امتداد عقود، جنبا إلى جنب مع القوى الديمقراطية والتقدمية والوطنية من نضالات ومكتسبات معتبرة، عبر مختلف المواقع التي احتلها.
وإذ يستحضر الحزب ومجمل مكونات العائلة الفكرية لجبهة القوى الديمقراطية، اليوم، كل هذا الرصيد الثري والمشرق في مساراته النضالية والفكرية والتنظيمية عبر عقود، فإنه يتطلع بكثير من الثقة والأمل رفقة حلفائه وشركائه السياسيين والحقوقيين والمدنيين والنقابيين، في إطار الائتلاف الديمقراطي الحداثي، الى بلورة مشروعه السياسي المجدد لليسار، تجسيدا لمبادئ وثائقه الفكرية والتنظيمية الموجهة، وفي اتساق وتناغم تامين مع المقتضيات والاهداف المرسومة في وثيقة “نداء من أجل مغرب المستقبل”.
إن مشاركة حزب جبهة القوى الديمقراطية القوى العاملة أمميا، والشغيلة المغربية، على وجه التخصيص، الاحتفاء بالعيد الأممي، كل سنة، إنما هو تجسيد مبدئي للالتزام بالدفاع عن حقوق الشغيلة وقوى الانتاج الوطنية في مختلف الحقول والقطاعات، باعتبارها القاطرة الأساسية لعجلة التنمية الاقتصادية، وتشكيلها، على اختلاف تركيبة فئاتها ومكوناتها الاجتماعية، قاعدة التوازن والسلم الاجتماعيين، ومنطلق إرساء مطلب العدالة الاجتماعية والمجالية، اللذين ينشدهما المشروع السياسي لجبهة القوى الديمقراطية منذ انبثاقه. وهي نفس القناعة والرؤية السياسية المشتركة في إطار ميثاق الائتلاف الديمقراطي الحداثي، الرامية إلى مواصلة العمل والنضال بجانب الشغيلة المغربية، من أجل تعزيز التجربة الديمقراطية المغربية، بتوسيع وتعميم ثمارها الاقتصادية والاجتماعية والسوسيوثقافية والبيئية لتشمل كل أبناء الوطن الحبيب.
وانطلاقا من النظرة الاستشرافية لجبهة القوى الديمقراطية وهي تحضر لخوض غمار الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وهي تتطلع لأن تشكل محطة فارقة بين عهدين، ومدخلا ضروريا لتخليق الحياة السياسية والعامة، ومكافحة الفساد والريع، وتكريس الخيار الديمقراطي في كنف الدولة الاجتماعية، لتستحضر كذلك، كل التطلعات المشروعة للشغيلة المغربية باعتبارها القاعدة الصلبة للدورة الإنتاجية والاقتصادية، شأنها شأن باقي المكونات المجتمعية الحية والمنتجة ضمن نسيج المقاولات الوطنية الصغرى والمتوسطة والخدماتية المتضررة من اثار وتداعيات جائحة كوفيد 19 المتجدد، التي يعاني الكثير من فئاتها العاملة بالقطاعين الشبه عمومي والخاص في قطاعات السياحة والفندقة والمقاهي والمطاعم وغيرها، تحت وطأة التدابير الحكومية غير المجحفة في حق هذه الفئات، وفي غياب تدابير مواكبة لتخفيف آلامها ومعاناتها مع متطلبات المعيش اليومي في ظل استمرارية الجائحة.
ويغتنم حزب جبهة القوى الديمقراطية هذه الفرصة، ليعبر عن كامل تضامنه مع كل فئات الشغيلة المغربية المتضررة من وقع أزمة كوفيد 19 المتجدد، وعن التزام مناضلاته ومناضليه النقابيين وتجندهم الدائم للنضال والترافع من أجل تحسين طروف هذه الفئات وتحصين مكتسباتها المادية والمعنوية، كما يثمن عاليا الرغبة الجماعية والمشتركة لكل القوى السياسية والمدنية والحقوقية وكذا المنتجة، والمقاولات المواطنة، في العمل المشترك في معالجة اختلالات الظرفية الصعبة من جهة، والسعي الجماعي المتضامن لتهيئ شروط الولوج لمغرب المستقبل والاسهام في تنزيل نموذجه التنموي المتجدد، الذي دعا إليه جلالة الملك وتفاعلت معه كل مكونات المجتمع وفعالياته ومؤسساته.
إن حزب جبهة القوى الديمقراطية بكل مكوناته وهياكله وقطاعاته وأطره عبر مختلف جهات المملكة، ليقف اليوم بثقة وتفاؤل وعزم أكيد في صف الشغيلة المغربية، داعما لنضالاتها ولمطالبه الاجتماعية والمادية والمعنوية المشروعة، والمغرب، مجتمعا ودولة، يخوض معركته الوطنية تحت القيادة السديدة لملك البلاد حفظه الله، في مواجهة جائحة كورونا، في أجواء من اللحمة الوطنية والتضامن والتآزر والتكافل بين مختلف السلطات والمؤسسات، في خدمة المجتمع، وضمان أمنه الصحي والاجتماعي، وتوفير سبل الرعاية واحتضان الفئات المعوزة والهشة من أبنائه، عبر الصدوق المحدث بأمر من جلالة الملك لمواجهة تداعيات كورونا. وإننا في الجبهة، لنغتنم هذه المناسبة الأممية السعيدة، لكي ننوه بما قامت به شغيلة مختلف السلطات العمومية والأمنية والقطاعات والمرافق العمومية الصحية والإدارية والمساعدة والإعلامية والتربوية وغيرها، من أعمال جليلة فعالة وموصولة في الواجهات الأمامية للتصدي للوباء الخبيث، وندعو لتكريم كل هذه الفئات المناضلة على ما قدمته لخير وسلامة وأمن واستقرار الوطن وطمأنينة المواطنين من خلال روح المسؤولية والتفاني وأداء الواجب، في ملحمة جديدة للملك والشعب، أبهرت العالم وأعطت لبلدنا صورة ومكانة مرموقة ضمن ركب الدول الحديثة المتماسكة البنيان.
من جهة أخرى، ونحن نخلد ذكرى فاتح ماي، وما ترمز إليه من قيم وتمثلات وحقوق وجبت ترقيتها، وأوضاع اجتماعية تستدعي رعايتها، وفئات هشة ومعوزة تتطلب احتضانها، ومطالب نقابية وفئوية عادلة ومشروعة تستدعي العناية بها وتفهم أصحابها، نسجل بأسف كبير، التعاطي اللامسؤول للحكومة الحالية وسابقتها، مع مطالب الشغيلة المغربية في مستوياتها الدنيا. إننا في الجبهة لنرفض بشدة كل التدابير العشوائية والمبادرات غير المدروسة، التي أمعنت الحكومة في اتخاذها وتبنيها منذ سنوات، وكلها تندرج في خانة واحدة بنزعة تبخيسية للمسألة الاجتماعية، وعبرها استباحة الحقوق المرعية والمكتسبات الطبيعية لفئات عريضة من الشغيلة المغربية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
– الحيف الكبير الذي لحق مجمل مكونات الوظيفة العمومية عبر ما “سمي بإصلاح نظام التقاعد” السيء الذكر، وما خلفه من آثار سلبية واستياء لدى هذه الفئة الشغلية، ناهيك عن الاقتطاعات الكثيرة وغير المعقولة من أجور الموظفين في كل المناسبات بفرض سياسة الإذعان والغبن؛
– رفع الدعم عن كثير من المواد المدعمة دون وضع تدابير مواكبة وبدائل منصفة؛
– تكريس نظام ضريبي مجحف وغير عادل يكرس مزيدا من تضريب فئات وتملص فئات أخرى؛
– الهجوم الكاسح على كل ما هو اجتماعي من رفع للأسعار ولقفة العيش وعدم تطبيق نظام المقايسة في مجال المحروقات واستهداف وإضعاف القدرة الشرائية لما كان يسمى بالطبقة الوسطى؛
– إلغاء قطاع الوظيفة العمومية واعتماد التوظيف بالتعاقد في قطاعات حيوية ومصيرية كالتعليم والصحة غيرها؛
– استغلال ظروف الجائحة الوبائية كورونا، لتمرير العديد من النصوص والتدابير القاسية وغير المشروعة في حق الموظفين، عبر التحايل والخداع، ليتم الاقتطاع من الأجور من المصدر بدون رغبة ولا إرادة المستهدفين، بذريعة دعم صدوق كورونا القائم إحداثه على مبدأ التطوع بناء على حرية الإرادة وليس بالإكراه؛
– فرض الاقتطاع بذريعة التطوع حتى على فئات الموظفين الذين يعملون ليل نهار متطوعين في الصف الأمامي لمواجهة الجائحة، في الوقت الذي يفترض في الحكومة كما هو الشأن في كل بقاع الأرض، أن تقدم لهذه الفئة تعويضات إضافية نظير ما يبذلونه من تضحيات؛
– تجميد التوظيف بشكل تام في الوظيفة العمومية في الوقت الذي تحتاج الدولة والمجتمع أطرا ومهنيين ومستخدمين في تخصصات ملحة تتطلبها المرحلة والسياق الاستثنائيين اللذين تمر منهما البلاد؛
ومن هنا، تطالب جبهة القوى الديمقراطية الحكومة والفاعلين السياسيين والنقابيين والحقوقيين وكل القوى الحية للمجتمع، تكثيف وتوجيه الاهتمام والجهد لمعالجة الاختلالات الاجتماعية والفوارق المجالية، من خلال بلورة ومأسسة “الحوار الاجتماعي” بشكل مستدام وفعال، وذلك من خلال، إخراج قانون النقابات للوجود، وتطوير المقاربات التشاركية بين الحكومة والنقابيات والباطرونا، من منطلق تقاسم المسؤولية المجتمعية وكلفة التنمية البشرية والرعاية الاجتماعية؛ مع الالتزام ببلورة توافق وطني حول أولويات السياسات العمومية للمرحلة المقبلة وتركيزها حول “المسألة الاجتماعية” عبر مداخل للعناية بحقوق الشباب والنساء، من خلال تنشيط أوراش الاستثمار والتشغيل والإدماج في التنمية، بما يقوي أسس دولة الحق والمؤسسات الضامنة للعدالة الاجتماعية والمساواة وتوسيع مجالات الحريات الفردية والجماعية في كنف القانون، وفقا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
عاشت الشغيلة المغربية حرة، أبية وصامدة؛
عاشت قوى الديمقراطية والحداثة والتنوير موحدة ومناضلة.

التعليقات مغلقة.