اوكرانيا تدفع الثمن ….والغربيون مجرد اعتراض على توسع الناتو !!

مراكش: السعيد الزوزي

كان المعلق الأمريكي الذي أدلى بهذه السخرية يعني ان الأحداث الجارية حالياً في أوكرانيا ستذكر لعقود عديدة قادمة، وسيتم استدعاء الأجيال القادمة من أطفال المدارس لحفظ تاريخ 24 فبراير 2022، لكن هذا صحيح بمعنى آخر أكثر قتامة مما يمكن أن يتصور، فهذه حرب رجعية قاتمة.

 

القوات الروسية تسير عبر الحدود الدولية وتقترب من العاصمة الأوروبية، عائلات تحتمي في محطات تحت الارض، اطفال انفصلوا عن ابائهم، مدنيون يرتدون الزي العسكري ويمدون بنادقهم، يتعهدون بالقتال حتى الموت من أجل وطنهم، غزو حقيقي لدولة أوروبية من قبل دولة أخرى، تبدو لقطات مثل هذه الأحداث غريبة اللون: يجب أن تكون بالابيض والاسود المحبب.

 

لأن أوروبا كان من المفترض أن تترك مثل هذه الأحداث وراءها، إن لم يكن في الأربعينيات من القرن الماضي، عندما بدأ القصف النازي لكييف في الساعة الرابعة صباحاً في أحد أيام عام 1941، بدلا من الساعة الخامسة صباحاً التي اختارها “فلاديمير بوتين” يوم الخميس، ثم في وقت لاحق في القرن العشرين، عندما دخلت الدبابات السوفيتية إلى بودابست عام1956، او براغ عام 1968.

و بدلا من ذلك، عاد التاريخ ويواجهنا بخيار كنا بشكل صارخ نتخيل أننا اتخذناه منذ فترة طويلة، تم تحديد الخيار  قدر الإمكان، من قبل قادة البلدين الذين يخوضون الآن قتالا غير متكافىء. تحدث”بوتين” مرتين، ووصف خطابه الأول مرارا وتكرارا بأنه “مشوش وغير متماسك”، لكنه لم يقل تقشعر له الابدان، بين الظهرين، وضع “بوتين” تبريرا للغزو، كان يعتمد بطبيعة الحال على الاكاذيب.

 

ورغم أن موسكو  تدرعت لتبرير الغزو بإنقاذ المتحدثين الروس في شرق أوكرانيا من تهديد بالابادة الجماعية لم يكن موجودا، كان سينقذ أوكرانيا من حكم “النازيين الجدد”، وهي طريقة غريبة لوصف دولة رئيسها ورئيس وزرائها السابق كلاهما يهود، وكلاهما ديمقراطيان.

لكن خلف الدفاعات الزائفة تكمن نظرة “بوتين” للعالم. لم يكن اعتراضه، كما كان معتذرو “بوتين” الغربيون في أقصى اليمين واليسار المتطرف، مجرد اعتراض على توسع الناتو ، بل كان شيئاً أكثر جوهرية.

جادل” بوتين” بأن أوكرانيا لم تكن دولة مناسبة، مما يعني ضمنا أن دولة واحدة فقط كانت حقيقية وشرعية من الدول التي ولدت من الاتحاد السوفياتي المنهار، كل ما تبقى كان عبارة عن حلويات، كان حقها في الوجود ضبابيا ويقرره “بوتين” نفسه بقوة السلاح اذا لزم الأمر، يؤمن “بوتين” بكلمته وافعاله أن له الحق في إعادة رسم “خريطة أوروبا والقيام بذلك بالدم”.

بعد ذلك بوقت قصير، خاطب الأوكراني” فولوديمير زيلينسكي” أيضا الشعب الروسي، وتحدث أيضا باللغة الروسية، لقد كان خطابا على أمر العصور، خطاب يستحق أن يقرأ الآن وبعد فترة طويلة من إنتهاء هذه الأزمة، لأنها لم ترفع قضية شعبه فقط، على الرغم من أنها فعلت ذلك: “الكثير منكم لديهم أقارب في أوكرانيا، أنت تعرف شخصيتنا ومبادئنا وما يهمنا “، لم تكتف بإثبات حججها ضد جميع الحروب: “يفقد الناس أحباءهم ويفقدون أنفسهم، لقد حددت على وجه التحديد المبدأ على المحك :القانون الدولي، الحق في تقرير مستقبلك”، هذا إذن هو الاختيار.

هل نريد ان نعيش في العالم الذي وصفه “زيلينسكي”، حيث  الدول الديمقراطية محمية بنظام دولي من القواعد، مهما كان هذا النظام معيبا وغير متسق؟ أم نريد ان نعيش في عالم “بوتين”، محكوم بقانون الغاب وحيث يكون الحق الوحيد هو القوة ؟.

نريد ان نقف مع هؤلاء الأطفال البائسين، ممسكين بدفاتر التلوين الخاصة بهم وهم ينامون في محطة مترو انفاق “كييف”، نقول لأنفسنا إننا نقف معهم وضد “بوتين” وحرية العدوانية.

لأن “بوتين” بالكاد أبقى رؤيته للعالم سرية حتى الآن، على العكس من ذلك، فقد تصرف عليها ثلاث مرات على الأقل خلال خمسة عشر عاماً الماضية، ودفع ثمنا زهيدا في كل مرة، لقد استولى على جزء كبير من جورجيا في عام 2008 و أوكرانيا في عام 2014 ،كي لا يقول شيئا عن قراره بتبني الحرب القاتلة التي يشنها نظام ” الأسد” ضد الشعب السوري كحربه بعد عام.ربما نسينا كل ذلك -المنشق الروسي”غاري كاسباروف” يأسف لفقدان ” ذاكرة الغرب” -لكن” بوتين” لم يفعل،واشار إلى الاستهجان الغربي الذي استقبل ضمه لشبه جزيرة ” القرم”: كيف،بعد أربع سنوات فقط، استضافت روسيا كأس العالم لكرة القدم بمرح.

لم يكن هناك تعزيز لدفاعات الاوكرانيين، حتى يتمكنوا من حماية أنفسهم من هذه اللحظة.لم يكن هناك تصفية لاموال ” الاوليغارشية من لوندونغراد ” ،لقد فهم “بوتين” الإشارة : لقد كان ضوءا اخضر.

وماذا نقترح فعله لمنعه الآن، حتى و هو يغزو جاره؟ لاتكاد الجولات الأخيرة من العقوبات الإقتصادية تعيقها، ليست عندما يكون لموسكو اصدقاء ،” بدءا من الصين” ، على استعداد لتخفيف الضربة.حتى لو كانت الإجراءات أقوى، فليس هناك ما يضم أنها ستنجح.

يواجه كل من “بشار الاسد” والنظام في” طهران” عقوبات منذ سنوات،لايزالون واقفين، وبالكاد تغيير سلوكهم، المشكلة واضحة: “بوتين” لايهتم اذا كان شعبه يعاني،لقد تم تسعيره في ضرب زملائه في حكم القلة، تماماً كما ثمن خسارة أرواح العسكريين الروس.

بالنسبة له، فإن غزو أوكرانيا – وإزالة مثال الجار الديمقراطي الذي قد يظهروا للروس حياة مختلفة امر ممكن – يستحق كل هذا العناء.

لكن إذا كانت مواجهة ” بوتين” اقتصاديا غير فعالة ، فإن مواجهته عسكريا بالكاد تكون معقولة او مستساغة.كان الديكتاتور الروسي يبذل قصارى جهده لتذكير الغرب بأن بلده ” دولة نووية قوية”, يقول المحللون إن “بوتين” لايرى القدرة النووية لروسيا على أنها نظرية: فهي مندمجة في استراتيجيته العسكرية،لا أحد يرغب في التشابك مع مثل هذا الرجل،ليس اقلها أنه يبدو أنه ينجرف بعيداً عن العقلانية المستقرة. يبدو أن الخيارات المتواضعة – ربما فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا – تواجه نفس المشاكل: فهذا يعني أن الناتو في حالة حرب مع روسيا،يمكننا أن نأمل في إنقلاب القصر ضد القيصر.

يمكننا أن نعرب عن تضامننا واعجابنا بهؤلاء ” المتظاهرين الروس المناهضين للحرب” الشجعان بما يكفي للنزول إلى الشوارع، على أمل أن يطيحوا بطريقة ما بالحكم المستبد الذي يدمر أرواح الكثيرين، لكن هذه ليست أكثر من مجرد رغبات.

الاحتمال الاكثر كأبة هو أن “بوتين” يفهم شيئاً عن القرن الحادي والعشرين الذي يريد القليل منا مواجهته: أن هذا هو “عصر الافلات من العقاب”، خاصة بالنسبة لاولئك الذين لديهم ترسانة ضخمة و قاتلة ولكن لاخجل.

هذا ما هو على المحك في هذه اللحظة،تفهم بكين ذلك: إذا كان بوسع روسيا أن تستولي على أوكرانيا،فلماذا لا تستطيع “الصين انتزاع التايوان” ؟.                             

التعليقات مغلقة.