8 مارس عدم المساواة في الأجور: النساء في “السطر الثاني” ، منسيات أولاً

بقلم محمد حميمداني

 

تأتي ذكرى 8 مارس لهاته السنة وسط وضع تعميق التمايزات بين الرجال والنساء، وما أنتجته كوفيد 19 من كل أنواع التعنيف في حق المرأة، ففي فرنسا مثلا هناك دعوات من الجمعيات والنقابات والأحزاب للاحتفال بهذا اليوم بالتظاهر تنديدا بعدم التوازن بين الرجال والنساء في العمل.

منذ أن أقرت الأمم المتحدة يوم 8 مارس كيوم عالمي لحقوق المرأة، أصبحت النساء على مستوى كافة بقاع العالم تخلد بشكل منتظم هذا الحدث الذي يكتسي صبغة سياسية قوية وتعبيرا حضاريا متميزا.

الحدث ذا دلالة كبرى ولا يمكن تحنيطه في باب “الموضة”، اعتبارا لكون وضع المرأة والقهر المزدوج الذي تعيشه، هو قضية وليس حدثا عابرا، والنضال من أجل تحقيق المساواة الفعلية لا زال طويلا، لأن الأمر لا يتعلق باحتفال روتيني بل بهوية إنسانية تغيب بفعل هيمنة الثقافة الذكورية المسيطرة على الإنتاج، وعلى جزء هام من المجتمع.

أكيد أن النضال من أجل المساواة الفعلية قد حقق العديد من النتائج الإيجابية، لفائدة البنساء، وأن الاحتفال قد نجسده في باب الاحتفال بالانتصارات والمكتسبات، ولكن قبل كل شيء، نسعى بالدرجة الأولى إلى التعبير عن المطالب والحقوق التي ما زالت مهضومة، وقياس المسافة التي ينبغي قطعها لبلوغ مجتمع العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين.

إننا في مقاربتنا لهاته القضية نعي جيدا أننا أمام إشكالية جد معقدة تتطلب معركة متواصلة وصراعا مستمرا دون توقف على عدة جبهات: على صعيد الأسرة بصفتها خلية قاعدية تنشأ فيها ظاهرة التمييز على الأقل، على مستوى إنجاز الأشغال المنزلية؛ وأيضا في أحضان المدرسة ومعاهد التكوين حيث يتم ترويج التمييز في شكل إيديولوجيا وقيم تغدي هذا التمييز؛ وفي الحياة اليومية العادية، حيث يمارس التمييز أمام الملأ، وتسود كل الظواهر المهينة للمرأة من تحرش وهلم جرا فضلا عما تصرفه البرامج السمعية البصرية التي تقدم المرأة كمادة للمتعة واللذة، والتقاليد الاجتماعية المتناسلة عن وعي أو عن غير وعي؛ كما تم التمييز في الولوج إلى العمل وتقلد المسؤوليات على جميع المستويات. ينبغي التذكير أن هذا التمييز يعود إلى فترة قديمة من التاريخ.

فقد نشأ الوضع في البداية على أساس التوزيع الجنسي للعمل، ليتطور فيما بعد من حيث الشكل ويتكيف مع مختلف الأنماط الانتاجية المتعاقبة؛ من العبودية إلى الاقطاعية ثم الرأسمالية. وهو ما يعني، في نهاية المطاف أن القضية النسائية، مرتطة ارتباطا وثيقا بطبيعة علاقات الإنتاج المهيمنة، والبنية التحتية المطابقة لها، مع ما يعنيه كل ذلك من ارتباطات بعلاقات إنتاجية تؤسس انماط البنية الفوقية السائدة والتي تؤسس لعلاقات الاستغلال المزدوج الممارس على المرأة الطبقي منه والجنسي، المرسخ من خلال الإيديولوجيا السائدة.

 

إذن فالقضية النسائية هي جزء لا يتجزأ من نضال المجتمع من أجل التحرر الطبقي ليس بشكل ميكانيكي ولكن بشكل جدلي، أي أن هاته المسألة هي مشروع مجتمعي قائم. 

 

إن المغرب وعلى الرغم مما تحقق للنساء على المستوى التشريعي من خلال مدونة الأسرة، ودستور 2011 وخاصة الفصل 19 منه، ورفع التحفظات على بعض مواد اتفاقية سيداو CEDAW، والقانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء..)، أو على المستوى السياسي (تقوية تمثيلية المرأة في البرلمان والجماعات الترابية)، أو المهني (ولوج النساء إلى بعض المناصب التي كانت حكرا على الرجال).

لكن ومع ذلك تبقى المعركة في مجال الترافع عن قضية المرأة طويلة وشاقة، وهي مهمة نسائية بامتياز، عكس ما نجده في الواقع من قيام الرجال بهاته المهام،  والدفع في اتجاه الإجابة على التفاوتات في هذا المجال، والطريق الشاقة التي مازالت أمامنا لبلوغ المساواة والانصاف الكاملين.

التعليقات مغلقة.