الوضع في أوكرانيا بين لغة المصالح والآثار السلبية على الشعوب ومؤشرات حرب عالمية مذمرة تلوح في الأفق

توفيق الضريضي ومحمد حميمداني


تستمر العملية العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية لليوم الخامس عشر على التوالي، منذ بدايتها في 24 فبراير المنصرم، مخلفة آثارا مباشرة على الأرض ومضاعفات اقتصادية وسياسية قد تهدد الاستقرار العالمي.

وكان الصراع الروسي الأوكراني قد اكتسب منعطفًا جديدًا فارقًا، في 21 فبراير، بعدما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف بجمهوريتي “دونيتسك” و”لوجانسك” جمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا، في خطوةٍ تصعيديةٍ لقيت غضبًا كبيرًا من “كييف” وحلفائها الغربيين.

وأعقب ذلك، شن القوات الروسية، عملية عسكرية على شرق أوكرانيا، لتبقى كل الأبواب مفتوحةأمام احتمالية تصور دائرة الصراع والحرب، خاصة مع حالة الحصار التي فرضت على روسيا وبيلاروسيا، وتصميم موسكو عل ردع “كييف” وتحييدها وعزلها عن الغرب، والآثار الاقتصادية المذمرة للاقتصاديات العالمية، وشبح المجاعة الذي يهدد العالم، والأقوى مؤشرات تدفع في اتجاه اندلاع حرب عالمية “ثالثة”.

وقال الاتحاد الأوروبي إن العالم يعيش “أجواءً أكثر سوادًا” منذ الحرب العالمية الثانية، فيما دفع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ليس في البحث عن مخرج للأزمة القائمة، بل في فرض حزمة عقوبات ضد روسيا، وصفتها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بأنها “الأقسى على الإطلاق”.

إلى أين تسير الأوضاع الملتهبة في المنطقة؟

في ظل هاته الأجواء المتوثرة، التي لا تبشر بأي انفراج مع انغماس الغرب في مسلسل توثير الأجواء المشتعلة أصلا بالمزيد من خنق الشعب الروسي والبيلاروسي بإجراءات غير مسبوقة في محاولة لتركيع روسيا. 

روسيا التي تعتبر المعركة، معركة وجود، والمحققة لإجماع داخلي على ضرورة التصدي للهجمة الغربية مهما كانت التضحيات المقدمة، لأن الغرب يستهدف وجود روسيا الاستراتيجي، قررت ركوب التحدي والدفع بالعملية على الشقين السياسي من خلال الحوار مع الأوكران، والعسكري عبر محاصرة “كييف” من جميع الجهات.

الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو” يصران حتى الآن على عدم الانخراط في أي عملية عسكرية في أوكرانيا، كما ترفض دول الاتحاد فرض منطقة حظر طيران جوي في أوكرانيا، عكس رغبة كييف، التي طالبت دول أوروبية بالإقدام على تلك الخطوة، التي قالت عنها الإدارة الأمريكية إنها ستتسبب في اندلاع “حرب عالمية ثالثة”، لكن دفع الوضع إلى هذا المستوى من التصعيد يعقد الوضع أكثر ويدفع في اتجاه منحى مفتوح على لغة الحرب.

وكان وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، قد قال في وقتٍ سابق، إن اندلاع حرب عالمية ثالثة ستكون “نووية ومدمرة”، وموسكو التي قررت التصعيد أعدت العدة لكافة الاحتمالات الممكنة حتى الأسوأ منها، عبر استنفار كافة الأسلحة الاستراتيجية.

على الأرض قالت موسكو إنه قد تم تدمير منظومة الدفاع الجوي الأوكرانية وقواعدها، وبالتالي باتت البنية التحتية العسكرية لسلاح الجو خارج الخدمة، بل أن موسكو عبر وزارة الدفاع الروسية قد قالت، يوم السبت 26 فبراير، إنها أصدرت أوامر إلى القوات الروسية بشن عمليات عسكرية على جميع المحاور في أوكرانيا، ارتباطا برفض “كييف” الدخول في مفاوضات مع موسكو، والذي أرجعته أوكرانيا إلى الشروط الروسية الموضوعة على الطاولة قبل التفاوض، والتي اعتبرها الأوكرانيون  “مرفوضة”.

لكن المفاوضات تمت لأول مرة، يوم الاثنين 28 فبراير، في مدينة جوميل عند الحدود البيلاروسية، وأيضا يوم الخميس، 3 مارس، ويوم الاثنين 7 مارس. لكن دون إحداث خلخلة في جليد التوثر الذي يغلف المشهد.

الرغبة الأوكرانية التي كانت من أسباب التوثر حملها الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، في 28 فبراير، بعدما وقع مرسومًا يطلب من خلاله انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، وموسكو لا تمانع هذا المنحى لكنها تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الشمال الأطلسي، والأوربيون رأوا أن الدعوة الأوكرانية سابقة لأوانها ولا يمكن قبول دول في حالة حرب ضمن دائرتها.

الإدانة الأممية لم تخفف الوضع بل زادته توثيرا مع رفض موسكو مقتضياته ودفعها العملية العسكرية إلى أبعد مدى، فعلى أي أفق ستنفتح بوابات الصراع الدائر؟ وما هي الضرائب التي ستؤديها شعوب العالم من هاته الحماقات العسكرية، التي لا تشكل إرادة الشعوب بل هوس المصالح؟ وهل سيعيد التاريخ إنتاج شروط حرب عالمية ستكون أكثر تذميرا من الأولى؟ كل الأجوبة مفتوحة في ظل صراع متحرك، وأجواء تعزف على طبول الحرب بدل الحلول السياسية.

التعليقات مغلقة.