البطولة المذهلة للمقاومة الأوكرانية…وخداع الذات المجنون لنظام الإمبراطورية الروسية!!

مراكش : السعيد الزوزي

 

تترنح على حافة، لا أحد يعرف في أي طريق ستذهب؟ ربما ستسقط الإمبراطورية الروسية، آخر وأروع الإمبراطوريات الأوروبية، أو ربما تمتص الضربة وتبقى على قيد الحياة لأنها صمدت وتوسعت منذ القرن السابع عشر، مقابر “أوراسيا” مليئة بمن فعلوا ذلك، ومع ذلك، فإن البطولة المذهلة للمقاومة الأوكرانية، وخداع الذات المجنون للنظام “بوتيني” تسمح لخصوم روسيا من سوريا الى آسيا الوسطى، ومن جورجيا إلى مولدوفا،” بطرح الأسئلة الأكثر ثورية: “ماذا لو؟ ماذا لو سقطت الإمبراطورية؟ ماذا لو تم تفجير الهياكل التي صمدت واستعبدت لقرون مثل شاحنات الصرير في قافلة ذخيرة روسية؟.

بالحديث إلى الرجال والنساء المنخرطين فيما هو -إذا كان بإمكان اليسار العالمي فقط رؤيته- النضال العظيم المناهض للاستعمار في عصرنا، تسمعهم يتحركون عبر مراحل الالتزام الثوري، من الاحتجاج السلمي، إلى أحكام السجن، إلى الادراك بأن العصيان المدني لن يكون كافيا.

تتحول الحياة مع زيادة المخاطر، هذه قصة حكتها زميلتي الروسية عن “تيمور ميتسكييفيتش”، تردد الاحتجاجات المناهضة للاستعمار في القرن العشرين.

في عام 2020، كان مراهقا في “مينسك” عندما قام الديكتاتور البيلاروسي “الكسندر لوكاشينكو”، ب”تزوير” الانتخابات الرئاسية لأنه سحق كل تحد لحكمه منذ وصوله إلى السلطة في عام 1994، نزل أنصار مرشح المعارضة “سفياتلاندا تسيخا نوسكايا” إلى الشوارع في أكبر المظاهرات الشعبية في تاريخ بيلاروسيا.

تكمن مفارقة العصيان المدني في أن التكتيكات اللاعنفية التي لا تعمل الا ضد الأنظمة التي مهما اعتقد المحتجون انها قمعية، فهي ليست قمعية لدرجة لا يمكن اقناعها بتغييرها، على الرغم من كل جرائمهم وتحيزاتهم، كان على سلطات الإمبراطورية البريطانية في الهند في اربعينيات القرن الماضي، وحكومة الولايات المتحدة في الستينيات الاستماع إلى “المهاتما غاندي” و”مارتن لوثر كينج”، لم يستمع “لوكاشينكو” لخصومه، بل أرهبهم.

لم يكن عليه أن يقلق بشأن الدعاية السيئة عندما كان يسيطر على وسائل الإعلام، ولا داعي لأن يهتم برد فعل “المجتمع الدولي” بعد أن قال “فلاديمير بوتين” إنه “سيحتفظ بالديكتاتور” في السلطة إذا تخلى عن القليل المتبقي من استقلال بيلاروسيا، أصبحت بلاده مستعمرة روسية مرة أخرى، والتي كانت مستمرة تقريبا منذ أن استولت الإمبراطورية الروسية عليها عام 1795.

وانضم” ميتسكييفيتش” البالغ من العمر 17 عاما إلى الاحتجاجات، ضربته الشرطة ضربا مبرحا حتى أدخله الأطباء في غيبوبة بسبب تدخل طبي، وأثناء خروجه توفيت والدته وترك 9 أطفال أيتاما.

العصيان السلمي لا يعمل إلا ضد الأنظمة التي لديها القدرة على الشعور بالعار، ولا يخجل النظامان الروسي والبيلاروسي، هذا الأخيرة مثل أوكرانيا قبل عام 2014، كانت دولة ضيقة الأفق بالكاد يفكر بها الغربيون، إذا تم تسجيل اسمها اليوم، فهي قاعدة لروسيا في هجومها الفاشل على “كييف”.

في تسعينيات القرن الماضي، كان من المفترض أن يكون انتصار “الديمقراطية الليبرالية ” حتميا لدرجة أننا أطلقنا على بيلاروسيا “آخر ديكتاتورية في أوروبا “، قلنا انظروا الى غرابته، لا يزال يتشبث بالحكم السوفيتي، وهو خطأ سوف يصححه التاريخ، بالتأكيد مع تقدم المثل الأعلى للأسواق الحرة والمجتمعات الحرة.

بدلا من ان تكون بيلاروسيا مفارقة تاريخية، نموذجا للمستقبل، أصبحت روسيا بيلاروسيا كبيرة الحجم، حيث أزال “بوتين” الحريات المحدودة التي سمح بها للمواطنين الروس في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وأعلن عن ” ديكتاتورية لوكاشينكو”.

بالنسبة للمعارضة المنفية في بيلاروسيا، فإن حرب أوكرانيا هي حربهم، والنصر الأوكراني سيفتح آفاق التغيير الجذري عبر المناطق التي تخفيها روسيا وتسيطر عليها، لقد أوضحت الحرب الأوكرانية، إذا كانت هناك حاجة إلى الوضوح، كيف ينظر القوميون الروس إلى “السلاف” الشرقيين بجرأة لرفضهم؟.

أوضحت وسائل الإعلام الرسمية الروسية أن الاوكرانيين وبالتالي البيلاروسيين كانوا بالفعل روسيين، اذا رفضوا الهوية الروسية وقالوا إن لديهم ثقافاتهم وتاريخهم الذي كان موجودا قبل “الإمبراطورية الروسية “، فانهم أثبتوا فقط أنهم كانوا “نازيين”، لا يمكن ان يكون أي شكل من أشكال الحياة البشرية أقل، كان على الدولة الروسية أن تقتلهم او ترسلهم إلى معسكرات العمل، ليأخذوا أبنائهم منهم ويسحقوا وطنهم وثقافتهم.

عندما تحدثت الأسبوع الماضي مع زميلتي الكاتبة، في المنفى في بولندا، قالت: “إن الثورة هي الخيار الوحيد القابل للتطبيق الآن”، كان نظام “لوكاشينكو” هو الدولة المتعاونة، النشطاء الذين خربوا خطوط السكك الحديدية البيلاروسية، لمنع القوات الروسية والمدرعات من الوصول إلى أوكرانيا، كانوا خلايا مقاومة.

وقال”فياكوركا” إنه حتى في العهد السوفياتي، اعترفت موسكو “بوجود دول بيلاروسيا وأوكرانيا”، كان “بوتين” يجلب شكلا جديدا من الفاشية، ينكر وجودهم، كانت المعارضة البيلاروسية تحاربها بعمل سري، كانت تحاول ابعاد الجيش عن خضوعه “للوكاشينكو و بوتين” في بيلاروسيا، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، اعتمد الأمل على فوز أوكرانيا بتقديم “فرصة للخروج من دائرة النفوذ الروسي”.

لكن يمكننا ان نرى الإمبراطورية تنتصر، كما انتصرت دائما، من خلال رمي المجندين في المعركة  دون تفكير في حياتهم وترويع المدنيين، من جانبها، لا تتوقع المخابرات الغربية نصرا سريعاً لأوكرانيا، لكنها تتوقع حربا طاحنة وطاحنة نتيجتها غير مؤكدة.

لكن ذلك، هناك في الهواء، إن لم يكن التفاؤل، إذن السؤال معقول، ماذا لو اعقب الانهيار الجزئي للإمبراطورية الروسية في التسعينيات هزيمة ساحقة في العشرينيات من القرن الماضي؟ ماذا لو سقط الهيكل الفاسد بالكامل؟.

التعليقات مغلقة.