ممثل البوليساريو بين نذب الحظ والتباكي والعيش على الجمل الإنشائية للتنفيس عن الأزمة الداخلية

لا زالت البوليساريو تعيش على أوهام السياسة، خارج السياق التاريخي، محاولة ضخ دم بديل عن حقائق الواقع والجغرافيا، والتحولات الجذرية التي عرفها العالم، وانهيار منظومة التباكي أمام قوة المصالح التي تغلف العلاقات الدولية، حقائق كامنة في الأرض وليس في وعاء الأوهام المصنوعة في الجزائر والمجسدة في “تندوف” والقائمة على منطق الربح والخسارة المشتركة في الاقتصاد بعيدا عن السياسة، وهو ما أسقط ممثل الجبهة المصنوعة والممولة جزائريا في باب التحليل الإنشاني لهاته الحقائق، حيث قال ممثل الجبهة الانفصالية بأوروبا ، أبي بشرايا البشير، أن تغير الموقف الإسباني خضع للابتزاز الذي وصفه ب “الحقيقي والدائم” مقدما إنجيله الفقهي على أن هذا الابتزاز هو “التفسير الوحيد للتغيير المفاجئ لموقف رئيس الوزراء الاسباني، بيدرو سانشيز، إزاء قضية الصحراء الغربية”، وفق قوله.

 

وأصاب عمى الألوان ممثل الجبهة الانفصالية حينما اعتبر أن “تغيير موقف رئيس الوزراء الإسباني، الذي ظل غير مفهوم حتى هذا اليوم في إسبانيا، يمكن تفسيره بسهولة عندما نضعه في زاوية الإبتزاز الحقيقي والدائم”، تصريحات تلغي بازدراء وضعف في التحليل لأنها غير مؤسسة على حقائق الأرض والمحددات الأساسية للعلاقات بين الدول، وخاصة بين المغرب وإسبانيا اللذان يعتبران بوابتين أساسيتين على أوروبا وإفريقيا، وأن إغلاق هاته البوابة سينعكس سلبا على كافة القطاعات المؤسساتية والخاصة في كلا البلدين، أي أن عناصر الجغرافيا مع الاقتصاد توحد الروابط المشتركة بين البلدين، وتلغي كل أسباب التباعد والتنافر لصالح الوحدة.

 

كما أنه وعلى الأرض، فإسبانيا واجهت الانفصال في كاتولنيا وفهت تداعياته وواجهته بقوة، فمن الطبيعي أن يجتمع العاملان معا لفائدة تأسيس علاقة جديدة قواعده البناء المشترك وتوسيع هاته العلاقات بما يعود بالنفع على البلدين والشعبين معا.

كما أن إسبانيا وعت جيدا التحولات العميقة التي شهدها المغرب، وحضوره القوي إفريقيا على المستوى الاقتصادي والتجاري والسياسي، وتحول المنظومة الكونية لفائدة ضرب كل أسباب الانفصال خدمة لمصالح خارجية كما هو مشتق من الدرس الأوكراني الروسي.

 

ويستمر المصدر في تكرار اللغة التي لازمته في حواره الصحافي ، أي حديث عن الابتزاز الحقيقي والدائم، حيث يقول: “عندما ننظر الى العلاقات بين اسبانيا والمغرب من منظور الابتزاز الحقيقي والدائم الممارس على مدريد، فإن الاجابة لا تصبح واضحة فحسب، بل بديهية”، وهنا تحضر نباهة منطقية لا علاقة لها بالمناطقة حينما يتحدث عن الفكرة البديهية، أي خضوع إسبانيا للابتزاز المغربي، وكأننا أمام دولة ضعيفة، فاقدة للقرار السياسي والسيادي وهو ما يشكل إهانة للدولة الإسبانية وللشعب الإسباني.

 

الأكيد هو أن البوليساريو لم يفهم الدرس، ولم يستطع فهم تحولات المنظومة السياسية الكونية، وما يقدمه ممثل الجبهة الانفصالية هو حقيقة وضعه النفسي، ووضع صانعي أوهامه، متحدثا عن “الخيانة” وصدمة التحول في الوضع الإسباني اتجاه قضية الصحراء المغربية، حينما قال “من المفارقات أن خيانة سانشيز قد قدمت خدمة كبيرة” لأحلام الجبهة، وهنا السقوط في التناقض حتى النخاع، فإن كان الموقف الإسباني إيجابيا، فلم التباكي عن هذا التحول، واعتباره “خيانة”، ووصفه ب “الصدمة،”، الواضح أن ما وقع خلخل داخل الجبهة وخلق تصدعات يحاول البوليساريو التنفيس عنها من خلال لغة الإنشاء، علما أن زعيمهم قال إن ما يقع لا يمكن الرهان عليه، وأن موقف “الحزب الشعبي” اليميني في المعارضة لن يستقر في حالة وصوله للسلطة، وزعيم الانفصال كان هنا أكثر واقعية في التعاطي مع هاته المتغيرات والأحداث الكبرى.  

 

نفس الوهم والصور الإنشائية استعملها نفس المسؤول في الحديث عن موقف الإدارة الأمريكية، متناسيا أن هاته الإدارة الجديدة محكومة بالتزامات لا يمكنها التراجع عنها بالمطلق، وهو ما تؤكده الوقائع على الأرض حيث قال: “مع مجيئ ادارة الرئيس بايدن، ظهرت مقاربة تتعارض مع تلك التي أعلنها ترامب، بتبني مواقف تعطي الانطباع بوجود رغبة في الالتفاف على موقف الرئيس الامريكي الاسبق”، وهنا من اللازم الوقوف على مصطلحين هامين يعكسان وضع الجبهة المتردي، وأحلام الحفاظ على حالة التوتر بما تعنيه من استمرار ضخ المساعدات السخية التي تذهب لجيوب كل من زعماء الانفصال وكابرانات الجزائر، من خلال الدفع إلى حالة عدم الاستقرار، لأن الاستقرار سيعني بالمحصلة موت تلك المصالح، حيث استعمل مصطلح الانطباع الذي يعتبر من قشور التحليل السياسي، لأن التحليل السياسييقوم على حقائق موضوعية لا تصورات وانطباعات تبقى فلسفية، وأيضا حديثه بمصطلح غريب “الالتفاف” متناسيا أن أمريكا يحكمها نظام سياسي قائم على مؤسسات وتعهدات لا يمكن إلغاؤه إرضاء لمصنوعة تعيش في خندق الوهم.

وقائع تعكس حالة الانهيار في البيت الداخلي لجمهوية الوهم، وتآكل شعاراتها الباكية، أمام قوة وصلابة الموقف المغربي، وواقعية الطرح الذي خلخل منظومة التوازنات السياسية نحو مزيد من دعم هذ الموقف عالميا، وعلى الأرض الإجابة التنموية للأقاليم الصحراوية المغربية، والمزيد من الاعتراف بمغربية الصحراء وفتح هيآت دبلوماسية بأقاليمنا الجنوبية، وانفتاح المغرب على محيطه العام، وانطواء الموقف الجزائري وبطلان مفعول رهاناته التي لن يبقى منها سوى الإرهاب ودعمه وممارسته كأسلوب أخير يلقى ردا دوليا بالتصدي له، وهو ما عكسه لقاء مراكش الأخير حول الإرهاب في إفريقيا. 

التعليقات مغلقة.