ماذا تنتظر الجزائر والرباط من زيارة “ماكرون” للجزائر؟

جريدة أصوات

سيبدأ الرئيسُ الفرنسي “إيمانويل ماكرون” الذي سيكون مرفوقا بوفد رسمي هام يضم سبعةَ وزراء، زيارة رسمية إلى الجزائر، ستستغرق ثلاثة أيام، زيارة ينتظر منها أن تزيل صفيح الجليد الذي يغطي علاقات البلدين في قضايا متعددة، في محاولة من باريس إلى طي صفحة القطيعة، وإعادة بناء علاقةٍ جديدة لا تزال مثقلة بحمولة الماضي، فيما تنتظر الرباط في أن تقدم هاته الزيارة إلى خلخلة الوضع السياسي القائم والمساهمة في حل النزاع في الصحراء المغربية الذي عمر طويلا وإعادة الدفئ لعلاقات الجزائر والرباط، وتجاوز حالة الانحسار في العلاقات المغربية الفرنسية مع طرح “الإيليزيه” عرضا للوساطة بين المغرب والجزائر، وإسبانيا والجزائر.

وهكذا ووفق مصادر إعلامية فسيشمل برنامج الزيارة، استقبالا رسميا يجريه الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في مطار الجزائر العاصمة حوالي الساعة 14.00 حسب توقيت غرينيتش، لتعقبه زيارة سيقوم بها الرئيسان إلى مقام الشهيد الذي يخلّد ذكرى حرب الاستقلال، علما أن الزيارة تتزامن مع احتفال الجزائر بالذكرى الستين لإعلان استقلال الجزائر “1954-1962”.

 

وللإشارة فإن هاته الزيارة هي الثانية التي يقوم بها الرئيس الفرنسي للجزائر مند توليه الرآسة، بعد الأولى في ديسمبر/كانون الأول عام 2017.

 

ويواجه “ماكرون” خلال هاته الزيارة قضايا متعلقة ب “مسألة الذاكرة”، وهو الملف المعقد الذي يعوق تطور العلاقات بين البلدين، ويشكل حساسية كبرى لدى الشعب الجزائري وقواه السياسية، وهو ما أفقد الرئيس الفرنسي التقدير على المستوى الشعبي الجزائري قبل الرسمي، والتي عمقتها تصريحاته في أكتوبر/تشرين الأول 2021 المنتقدة للنظام الجزائري وتشكيكه في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار، بعد أن كان قبل توليه الرآسة قد وصف الاستعمار الفرنسي بأنه “جريمة ضد الإنسانية”، في تصريحات أدلى بها أثناء زيارة للجزائر في شباط/فبراير 2017.

الرئيس الفرنسي يحاول توجيه هاته الزيارة من الماضي بتركته السياسية والنفسية العميقة نحو “الشباب والمستقبل”.

وتواجه “ماكرون” عدة صعوبات للدفع بالعلاقات الثنائية بين البلدين للأمام، مع وجود مطالب قديمة ب “الاعتذار” على الرغم من اعتراف “ماكرون” بمسؤولية الجيش الفرنسي عن مقتل عالم الرياضيات “موريس أودين” والمحامي الوطني “علي بومنجل” خلال “معركة الجزائر” عام 1957، كما استنكر “الجرائم التي لا مبرر لها” خلال المذبحة التي تعرض لها المتظاهرون الجزائريون في باريس في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961. 

إلا أن هاته الاعتذارات ليست هي التي يطالب بها الشعب الجزائري، لأن فرنسا لم تقدم اعتذارا رسميا عن الفترة الاستعمارية وما صاحبها من مسؤوليات دموية، وهو ما يصعب من فرص إنجاح هاته الزيارة. 

خبراء يرون أن مخاطر عدم الاستقرار في المنطقة المغاربية والنزاعات في الساحل والحرب في أوكرانيا، قد تقدم شحنة ودعما إيجابيين يدفعان لتحسين العلاقات بين البلدين معتبرينه “ضرورة سياسية”.

فحرب أوكرانيا رفعت من سومة الجزائر اقتصاديا فيما يتعلق بالغاز علما أنها من بين أكبر عشرة منتجين للغاز في العالم، والوضع الأوكراني وارتباط أوروبا بالغاز الروسي جعل من الجزائر محاورا مرغوبا فيه للغاية بالنسبة للأوروبيين على الرغم من تأكيد فرنسا على أن الغاز الجزائري “ليس موضوعا للزيارة”. 

الوضع في منطقة الساحل الإفريقي، وبخاصة في مالي سيكون أيضا حاضرا بعد انسحاب القوات الفرنسية من هذا البلد الإفريقي، وما يوازيه من نفود قوي لروسيا والصين في أفريقيا، وأهمية الجزائر الاستراتيجية في هذا الباب لامتداد مساحة حدودها البرية آلاف الكيلومترات مع مالي والنيجر وليبيا، إضافة إلى علاقاتها المتميزة مع روسيا التي تعتبر مزودها الرئيسي بالأسلحة.

كما أن قرار فرنسا بخفض التأشيرات الممنوحة للجزائريين لدخول التراب الفرنسي، والتي قرر “ماكرون” خفضها، عام 2021، إلى النصف ستكون حاضرة وبقوة خلال هاته النقاشات الثنائية.

الرباط تترقب مخرجات زيارة ماكرون إلى الجزائر

الوضع في شمال إفريقيا والعلاقات المغربية الجزائرية المتوثرة والمقطوعة وقضية الصحراء المغربية ستكون حاضرة بقوة خلال هاته الزيارة، علما أن هاته الزيارة تأتي في ظل حالة فتور سياسي تعرفه العلاقات المغربية الفرنسية ارتباطا بمجموعة من الملفات الخلافية.

كما أن هاته الزيارة تأتي في وقت دعا فيه العاهل المغربي الملك “محمد السادس” في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى 69 لـ “ثورة الملك والشعب”، الشركاء التقليديين والجدد للمغرب إلى “تبني مواقف واضحة من قضية الصحراء”، حيث قال جلالة الملك في ذات الخطاب “نوجه رسالة واضحة للجميع بأن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات»، مضيفاً: «ننتظر من بعض الدول، ومن شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل».

كل هذا يأتي في ظل حرج جزائري بعد انفصام حبل المودة الذي كان يطبع مواقف بعض الدول الأوروبية الوازنة المؤيدة للجزائر ولأطروحة الانفصال، وما شكله التحول في الموقف الإسباني الداعم للانفصال إلى تبني الطرح المغربي من صدمة سياسية قوية هزت أركان الموقف الجزائري، وكذا التحول الألماني المعزز، اليوم، بزيارة وزيرة الخارجية الألمانية للرباط الموطد للعلاقات الثنائية بين البلدين التي عادت لمسارها الطبيعي بعد تبني “برلين” للطرح المغربي للحل باعتباره الإطار الواقعي الأمثل لإيجاد حل سياسي يرضي جميع الأطراف، وهو ما يعطي للزيارة أهمية كبرى بالنسبة للجزائر و المغرب، خاصة الجزائر التي تراهن على الدعم الفرنسي لأطروحة الانفصال في علاقاتها مستغلة حالة التوثر التي تطبع علاقات “الرباط” ب”باريس”.

 
وتبقى لغة المصالح هي السائدة في ظل رهان الجزائر على الدعم الفرنسي لأطروحة الانفصال والحزم المغربي اتجاه هاته الدول التي تتبنى اللون الرمادي في علاقاتها مع المغرب، وحاجة فرنسا للغاز الجزائري ورهانها على توقيع اتفاقية لتوريد الغاز من الجزائر.

أمام تواثر هاته الأحداث وقيمة الزيارة يبقى المغرب معني بها ويترقب ما ستسفر عنه من مواقف سياسية.

علما أن هاته الزيارة تتم في ظل أزمة “صامتة” بين الرباط وباريس مع تراكم قضايا خلافية عديدة بين البلدين، وفق ما عبر عنه العديد من المتتبعين لهاته العلاقات، وضمنها مشكلة التأشيرات، حيث خفضت فرنسا عدد التأشيرات المخصصة للمغاربة بنسبة 50 في المائة، ووسعتها لتشمل أطراً وموظفين كباراً في الدولة، وهو ما أثار الغضب في الأوساط المغربية.

وهو القرار الذي تبرره فرنسا بادعاء عدم تعاون المغرب في مسألة استرجاع مواطنيه المهاجرين غير الشرعيين في فرنسا، وهو ما تنفيه الرباط، لكنها تطرح شرط التحقق من هوياتهم، إضافة إلى كون عدة صحف فرنسية تروج لتجسس المغرب على “ماكرون” وسياسيين فرنسيين بفضل نظام “بيغاسوس” للتجسس، وهو الموقف الذي واجهته الرباط برفع دعوى قضائية ضد مروجي هاته الادعاءات أمام القضاء الفرنسي، علما أن هاته الأخبار ساهمت في تسميم علاقات البلدين.

إلا أن الأغلب المحللين يرجعون هذا الفتور في العلاقات بين البلدين إلى التقارب المغربي الأمريكي مع توقيع الاتفاقية الثلاثية في 22 ديسمبر/ كانون الأول عام 2021 بين المغرب والولايات المتحدة و”إسرائيل”، وهي الاتفاقية التي بموجبها اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وأعادت الرباط بمقتضاها علاقاتها مع “إسرائيل”، وهو ما أزعج “باريس” بحكم حضورها السياسي والاقتصادي السابق في المغرب والذي تلاشى لصالح الحضور الأمريكي.

التعليقات مغلقة.