“وهبي” والمسافة الفاصلة بين المنطوق والناطق في وسخ السياسة والسياسيين

الإعلامي المتخصص م ع

أصعب شيء في الحياة هو أن تكون ميتا في كل مقومات وجودك وتعتقد نفسك حيا ترزق تمشي وتأكل وتدخل المرحاض وتقذف بأعاجين الكلام في الاتجاه الذي يشعرك بالحياة لكنه يلقي بك في بئر الفضيحة والموت  المعنوي أو السياسي أو المجتمعي، وهو الحال الذي وقع فيه الوزير “عبد اللطيف وهبي”، الذي يصدق عليه قول المثل العربي الشائع “جا يبوس ولدو عوروا”؛ وهو حال وزيرنا الذي حاول مداراة فضيحة نتائج امتحانات المحامين بما حملته من أسماء أعيان، وأفخاد معروفة، وبطون سياسية وقضائية وقانونية، وعلى رأسها بن الوزير المسؤول عن العدالة والحقوق وترسيخ قيم الشفافية والوضوح والبحث عن الحق إرضاء للعدل العام وضمانا للأمن المجتمعي والسياسي.

من الساقط والمخجل أن نجد أنفسنا بعد أن كنا نطالع مشاهد إنجازات “أسود الأطلس” وما حققوه بقيادة الأسد “وليد الركراكي” من نتائج أبهرت العالم، وعرفت ببلادنا، فكانت السفير، وكانت رقصة والدة “بوفال” مع ولدها اللاعب الدولي “سفيان بوفال” سفيرا فوق العادة نقل المغرب إلى عمق المشهد الدولي، وهو ما انعكس اقتصاديا بتسجيل الاقتصاد الوطني، خاصة في المجال السياحي، خلال فترة رأس السنة نسبة ملأ للفنادق بلغت 100 في المائة، كما هو الحال في مدينة فتاس،.

في مقابل هاته الصور الجميلة طالعتنا نفس الوكالات والمنابر الإعلامية الأجنبية برائحة مباراة ولوج مهنة المحاماة وما صاحبها من عفونة بما حملته وما دار فيها من أوساخ؛ كان من الأجدى بالسلطات المختصة التعامل معها باحترافية “الركراكي” واعتماد “النية”، والقول “على بركة الله” وإعطاء الأمر بإعادة تصحيح تلك الامتحانات ليذهب كل واحد مرتاح البال ومطمئنا لدولته ولساسة دولته، لا أن يخرج السيد الوزير ويعتبر أن اللجنة “متيقة ولا يأتيها الباطل لا من فوق ولا من خلف ولا من أعلى ولا من أسفل …” ليشعل فتيل الرفض لهذا المنطق من السلوك القروسطوي، القابع فوق كراسي إدارة شؤون وقضايا الناس والعباد.

تقول إحدى الحكم المأثورة “إياك والرضى عن نفسك فإنه يضطرك إلى الخمول، واياك والعجب فإنه يورطك في الحمق، و إياك والغرور فإنه يظهر للناس نقائصك كلها ولا يخفيها” ، وهو حال صاحبنا “وهبي” الذي حاول أن يدافع عن حدث متناسيا حق المجتمع ككل في التعبير عن مطلب بسيط اسمه الإنصاف وإعادة التصحيح، لكن وبما أن اللائحة تضم اسم ابن السيد الوزير فقد استشاط غضبا وأزبد وأرغى.

ليست هاته هي المرة الأولى التي يخلق “وهبي” أجواء من التوثر، بل على العكس من ذلك، فمند دخوله الحكومة، بل وقبلها أطلق صاروخ “جو جو” اتجاه حليفه اليوم “أخنوش” لم يسعفه منه إلا تدخل إحدى النساء النافذات في حزب الأصالة والمعاصرة، التي توسطت لاندفاعه أمام رئيس الحكومة “عزيز أخنوش”، لتتوالى شطحاته المزبدة الخالقة للصراعات في كل الاتجاهات مع القضاة والمحامين والمجتمع المدني وحماية المال العام والإعلام برمتة وهلم جرا من الصدامات التي فتحها والتي لا تعني إلا الغرور الذي يتملك الوزير، فاعتقد واهما أنه هو الدولة والحزب والدولة والحزب هو، يسيرها وفق عقارب زمن هواه ومنطق تفكيره. 

تقول حكمة أخرى اعتقد أحد ما نفسه عالما لمجرد أنهم حملوه كتبا، هو حال السياسة وبعض السياسيين في المغرب، الذين اعتقدوا أن الممارسة السياسية حسابات أرقام بنكية وكرسي متحرك وكل “واحد يدير اللي بغا”، منطق لا ندري من أي مدرسة تلقوه، وهو ما سقط فيه “وهبي” من خلال المثل العربي ” جا يبوس ولدو عوروا” فوهبي جاء ليدافع عن ابنه، لكنه سقط في المحظور، رسميا وشعبيا، وإنسانيا وقيميا وأخلاقيا.

وباللغة الدارجة فالوزير ّوهبي” “طبز ليها عينيها” من خلال هاته الخرجة، والغريب في الأمر أنها صدرت عن وزير مسؤول في حكومة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، خرجة غريبة لا يمكن بالمطلق أن تصدر عن وزير، وهي في العمق لا تعكس إلا فقرا يكتنف المصدر لها، أو غرورا وتعاليا عن الواقع الأرضي المعاش، وعن الناس، معتقدا صاحبها أنه مالك كل شيء وأن الباطل لا يأتيه لا من خلفه ولا من يمينه ولا من شماله.

قديما تحدثت إحدى الأساطير اليونانية عن “نرجس”  أو “نركسوس”  أو “نرسيس”، الذي كان يعمل صيادا من “ثيسبيا”،  اشتهر بجماله، كان مغروراً وفخوراً بنفسه لدرجة تجاهله وإعراضه عن كل من يحبه؛ لاحظت الإلهة “نمسيس” تصرفه فأخذته إلى بحيرة حيث رأى انعكاس صورته فيها، ووقع في حب صورته، دون أن يدري بأنها مجرد صورة، أعجب بصورته تلك لدرجة أصبح غير قادر على فراقها، فلازمها محدقا فيها إلا أن مات.

وهي الأسطورة التي اعتمدها “سيجموند فرويد” وجعلها موضوعا لإحدى نظرياته النفسية وهي المعروقة بالعقدة “النرجسية”.

قد يقول قائل، هاته أسطورة ماتت وانتهت مع زمانها، فما علاقتها بما نحن فيه، في الحقيقة هاته الأسطرة حاضرة وهي سلوك يومي ممارس من قبل مجموعة من الناس، ممن يعتقدون واهمين أنهم مالكون لكل شيء، فتصبح لديهم لغة التعالي أسلوب ونمط حياة ضروري لضمان الحضور عبر الخرجات العديدة، وتحقيق التميز، والدخول في كل القضايا حتى التي لا صلة له بها، فينسلخ بسلوكه هذا عن المجتمع، ويدخل في سلسلة عداوات تعزله عن الناس والمجتمع، ليبقى في مقابل صورته المعكوسة فتكون نهايته حينئذ الموت بمعناه المعنوي قبيل المادي.

هو حال وزيرنا، بل هي أخطر مما عرضنا لأن ما صدر عن وهبي ليس سلوكا بسيطا، فهو صادر عن مسؤول عن ضمان الانصاف والمساواة بين الجميع في المناصب والحقوق.

لكن أن يخرج السيد الوزير بشطحات حلاجية متعالية ومتصادمة مع الواقع، ومهينة للمؤسسات الوطنية التي يتغدى من جودها وكرمها وخيراتها، فهو قمة السخافة والسقوط، فما معنى “أنا ولدي عندو جوج إجازات من موريال في كندا وباه لباس عليه وخلص عليه”، على السيد “وهبي” أن يتأمل صورته في المرآة، فإما أن يبقى أن يبقى على شاكلة “نرسيس” فيموت في فضاء عشق صورته، أو أن يتحرر من ذاته ومن سلطة صورته المعكوسة عبر المرآة، فيعتذر من المغاربة وما بذر منه اتجاههم، وليس اتجاه التعليم والمؤسسات التعليمية فحسب، و “وهبي” يعرف جيدا أن الفضاء الجامعي الوطني أنجب خيرة أبناء هذا الوطن، وهو واحد من هؤلاء، إلا أن سيطرة “نرسيس” عليه أفقدته سلطة الاعتراف بالفضل، وكرست سلوك التعالي عن المجتمع في مشهد مرضي خطير.

“عندك الفلوس”، ومن بعد””، هناك من يفوقك مالا، ولكن الأهم أن هناك أناسا أغنى بالروح الوطنية وروح الانتماء للأرض والإنسان، يزرعون الأرض ليشبعوا البطون، ويضربون بالمعاول لتستمر بسمة الحياة وووو، هو شعب عريض يعرف ما له وما عليه، ولا يطلب الصدقات من باب وزارة “وهبي” ولا من باب أية وزارة، هي عقدة إحساس بالنقص تتحرك عبر هاته الخرجات التي تعكس سقوط سوق السياسة والسياسيين بالمغرب، وتقدم صورا قاثمة عن بلدنا الذي شرفته الكرة، لكن مرغ وجهه في التراب وزير العدل “عبد اللطيف وهبي”، وهو ما استغله أعداء الوحدة الترابية الذين لزموا الصمت بعد أن أسكتتهم صولات “أسود الأطلس” خلال مونديال قطر، لكن حركت أفواههم الخبيثة والملوثة خرجة “وهبي” غير المحسوبة العواقب، والتي عكست ما في سوق السياسة والسياسيين من خوردة وغياب “للماركات المسجلة” التي يبحث عنه الوطن كما المواطن لبناء مغرب الغد الذي شكل التلاحم إبان مرحلة مونديال 2022، مدخله الفعلي، وبوابة اقلاع تنموي، غطت نتائجة فصلا سياحيا كاملا، وأنعشت حركة كانت مقتولة بفعل كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وحالة الركود العالمي.

قواعد هامة وبشائر جميلة مسجلة حطمت عوائق تحقيقها إرادة مواطنين ووطنيين في التحام مع إرادة ملك قائد النهضة الحديثة لبناء مغرب الغد والمستقبل القاطع مع سنوات الرصاص وأيضا مع كل ما يلوث صور ومشاهد الإقلاع العام الذي تشهده البلاد تحت القيادة الرشيدة لمولانا أمير المؤمنين حفظه الله وأيده.

التعليقات مغلقة.