أي دور للترجمة المفهومية للطب في تجويد العملية التواصلية بين الطبيب والمريض ؟

جريدة أصوات

أكد البروفيسور محمد البياز، أخصائي الطب التنفسي ومدير مركز طب النوم الجامعي بفاس، ‏أن تدبير الحالة الصحية للمريض يتطلب، بالضرورة، عملية تواصلية سليمة لا يمكن أن تنجح دون لغة مفهومة من طرف الطبيب والمريض على حد سواء.

 

وأبرز الأخصائي، في حوار خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، أن بعض المرضى يواجهون في علاقتهم مع الطبيب إشكالية تواصلية تتعلق بالوعاء اللغوي للمفاهيم الطبية المرتبطة بحالتهم الصحية، تتعمق كلما تدنى المستوى التعليمي لدى المريض مما يؤثر على نجاعة العلاج.

 

وسجل السيد البياز، وهو مؤلف كتاب “المعجم الطبي المفهومي، أصالة وتجديد (عربي-فرنسي)” أنه رغم كون الطبيب والمريض مغربيين فإن لغة التدريس في كلية الطب، وهي اللغة الفرنسية، تصعب العملية التواصلية، فيضطر الطبيب إلى أن يقوم بدور المترجم دون أن يكون مكونا لذلك.

 

وأوضح أن الطبيب يجد نفسه مضطرا إلى ترجمة كلام المريض إلى اللغة الفرنسية بما يحتويه من معاناة وأعراض، لينتقل إلى ترجمة ثانية للمعلومات الطبية من الفرنسية إلى العامية المغربية، مبرزا أن هذه الترجمة والترجمة العكسية تتكرر خلال كل عملية تواصلية مما قد ينتج عنه أخطاء في فهم حديث المريض وفي تشخيص المرض، وبالتالي القرارات التي يتخذها الطبيب.

 

وتابع أستاذ التعليم العالي بكلية الطب بفاس أن الطبيب قد يواجه صعوبات في إيجاد المصطلحات المناسبة للتواصل والتحدث بلغة تمزج بين الفرنسية والعامية المغربية، ما يعطي الانطباع، أحيانا، لدى المريض أن الطبيب لم يفهم معاناته، ويضعف بذلك ثقته في مؤهلاته. 

 

وتتجلى مخاطر اختلال العملية التواصلية، بحسب البروفيسور البياز، في كونها تؤثر في كل مراحل تدبير المرض؛ بدءا من التشخيص الذي يتطلب فهما سريريا واضحا واختبارات تكميلية ملائمة، وانتهاء بالعلاج وتقييم نتائجه.

 

وحول ما إذا كانت بنية اللغة العربية تسعف لتدريس العلوم الطبية، أوضح أن هذه اللغة تتوفر على مخزون لغوي ومصطلحي يفوق أغلب لغات العالم، ومن بينها اللغتان الإنجليزية والفرنسية، عازيا ذلك لعدة مزايا، منها الرصيد المتراكم تاريخيا في المعاجم والكتب اللغوية والعلمية التراثية إبان أوج الحضارة الإسلامية، وقدرة البنية الاشتقاقية للعربية، من خلال الأوزان الصرفية ودلالاتها، على توليد مختلف المصطلحات انطلاقا من المفاهيم العلمية الحديثة ومسايرة ما استجد منها، فضلا عن الإمكانيات التي تتيحها آليات أخرى كالنحت والاستعارة والتعريب والتبسيط.

 

وشدد أستاذ التعليم العالي على أن تدريس الطب باللغة العربية، لا يتعلق فقط بترجمة المصطلحات العلمية الأجنبية، ولكن أيضا بترجمة المفاهيم التي تحملها، وتداولها في النص الطبي التلقيني للطالب والنص التربوي والتحسيسي للمريض، حتى لا تتحول الترجمة العربية لمصطلحات العلوم الكونية، ومن بينها العلوم الصحية، إلى  مجرد ترف فكري ومجال لنقاش عقيم لا يفضي إلا إلى فوضى مصطلحية.

 

ولفت البروفيسور البياز إلى أن “المشكلة لا تكمن في توحيد المصطلحات، وإن كان ذلك ضروريا، ولكن في عدم تداولها مما يجعلها لا تتركز في الأذهان، لتصبح عرضة للتغيير وتعدد الترجمات باستعمال فوضوي سواء في وسائل الإعلام أو برامج التكوين المحدود”، مؤكدا على ضرورة وجود مشروع عربي موحد لتدريس العلوم الكونية باللغة العربية، يضمن تداول المصطلحات وتركيزها وتعميمها بما يعيد للغة العربية مكانتها في المشاريع التنموية.

 

وفي هذا الصدد، سجل أن الهدف الأساسي من تأليفه لكتاب “المعجم الطبي المفهومي، أصالة وتجديد (عربي-فرنسي)”، يتمثل في تلبية حاجيات المستعمل (الأستاذ والطالب) في مجال تدريس العلوم الصحية وتسهيل التواصل مع المريض وتحسيس عموم المواطنين، وذلك بالاعتماد على منهجية واضحة لتوليد مصطلحات تتميز بمعايير الدلالة العلمية والاختصار وسهولة التداول والمرونة الصرفية، قابلة للتعميم على مختلف العلوم الكونية، وقادرة على مسايرة ما يستجد فيها.

 

ولمعالجة مشكل تعدد المنهجيات في توليد المصطلح، اقترح المؤلف منهجية موحدة تمزج بين الأصالة والتجديد وتوظف كل آليات اللغة العربية؛ وهي منهجية الترجمة المفهومية، معربا عن أمله في أن يكون المعجم الطبي المفهومي نقطة انطلاق نحو معاجم علمية متخصصة أخرى، وإصدار نماذج تطبيقية تلتزم بهذه المنهجية من خلال تحيين مقررات الطب التي سبق أن أشرف على ترجمتها، واستكمال ترجمة مقررات أخرى في مجال تدريس الطب.

التعليقات مغلقة.