اللجنة المؤقتة للصحافة والنشر من القانون المثير للجدل إلى وقاحة فاحت رائحتها

أصوات: مكتب الرباط

من عجائب الأقدار أن نكون أمام ليس فقط تدن في سوق المشهد الإعلامي الذي لن نحتاج للاجتهاد للبحث عن العلل والأسباب التي قادت إلى وقوعه والتي وجهت أسطرلاب مساره نحو المزيد من السقوط، لن نقف على شكل ولادة اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر القيصرية المعاقة، بل سنقف على فسيفساء ما بدأت تزرعه من إعاقة عملية وتجاوز للاختصاصات الموكلة إليها كلجنة، وممارستها لمهام الشرطي داخل القطاع، وقتل كل المقاولات الصغرى والمتوسطة، وخنق كل العاملين بالقطاع بالقوانين المجحفة من خارج اختصاصاتها.

 

 

تمنينا لو كنا قادرين على كشف كذب أحدهم لأن أنفه تنمو مثل “بينوكيو” في أفلام الرسوم المتحركة، كلما كانت مقولته ملفقة، بما أن الكذب يسبب القلق الذي يخفض درجة حرارة الأنف ويصيب بجفاف في الحلق! لكن أنوف أعضاء اللجنة المؤقتة تجاوزت كل هاته المفاهيم وضربت بعرض الحائط كل الخطوط الحمر الممكنة التي أعطتها صلاحية الحياة المؤقتة نحو الضرب في عمق وجودها الذي قرر تفاصيله البرلمان من خلال القانون المصادق عليه من قبل مجلس النواب يومه الاثنين 29 يونيو 2023 الحامل لرقم 15.23 والقاضي بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر.

 

 

في الطبيعة نجد أصنافا من الحيوانات بعضها يجيد المكر والخداع للتمويه والتحايل من أجل البقاء كأن يتصنع حيوان الموت لكي يجهز على الفريسة، أو يغير لونه مثل الحرباء تماهيا مع البيئة المحيطة، لكن الإنسان يملك أخطر الوسائل الموصلة لتحقيق الغايات والأهداف عبر الكلام أو الاعتداء بقوة الإمضاء والتوقيع والسطو على صلاحيات من خارج الأسس القانونية الدستورية ليحقق هدفا بشكل ملتو، أو يروج لبضاعة، أو حتى ليحدث وقيعة بين الناس، تتعدد الأسباب لكن النتيجة واحدة.

 

 

فأصل وجود اللجنة هو تدبيري مرحلي صرف من خلال الإسم قبل الحمولة، أي أنها مؤقتة، وهو ما يعني أن لا صلاحية لها في الاجتهاد والتقرير من خارج الأسس القانونية بما أنها معينة من أجل أداء هدف تدبيري وتهييء الشروط الملائمة لعقد جمع عام يفرز الهياكل التدبيرية الطبيعية، لكن ما قامت به اللجنة تجاوز كل الخطوط الممكن القبول بها، بل أنها أصبحت تلوح بالسيف وتشهره ضد الإعلاميين في منحى يحمل مسارين.

 

 

الأول يتمثل في المزيد من شد الخناق على المقاولات الصغرى والمتوسطة من أجل إقبارها ومسح كل إمكانية حياة ممكنة لديها، أو مسخها لتتحول من مقاولة مستقلة إلى خادمة للرأسمال المتسلط على جسم القطاع، والذي يعيق كل تطور يمكن أن يواكب القضايا الكبرى للمملكة المغربية وفق الإرادة التي خطها عاهل البلاد المفدى.

 

 

والثاني هو وضع العراقيل أمام كل الفاعلين القادرين على الدفاع عن القضايا الهامة للبلاد وتكريس منطق الاحتكار الذي يعني القتل، والمدخل هو الخنق من خلال البطاقة المهنية والشروط المجحفة التي حملت اللجنة مضامينها السامة، مشكورة، وهو ما يعني أن اللجنة وضعت نفسها ليس فقط في مواجهة الدستور والقوانين، حتى قوانين وجودها، بل ضد العاملين في القطاع، علما أنه يمتص جزءا كبيرا من البطالة، لكنه يحكم بقوة “السمطة” على المقاولات الصغرى المحرومة من الدعم أصلا بالقتل والإجهاز مع سبق الإصرار والترصد.

 

 

هل غاب عن ذهن أعضاء اللجنة أن مهامهم استثنائية ومؤقتة، وأن القانون رقم 90.13، حصر هاته المهام في توفير الشروط الملائمة الكفيلة بتطوير قطاع الصحافة والنشر وتنمية قدراته من خلال القيام بتقييم شامل للوضعية الحالية لقطاع الصحافة والنشر، واقتراح، ونسطر على اقتراح بالخط الأحمر، الإجراءات الهادفة إلى دعم أسسه التنظيمية، أي أن ما يصدر عنها لا يأخذ الصبغة القانونية التي حشرت اللجنة أنفها فيها ومن كثرة الكذب طال أنفها ليصبح مرئيا لكافة العاملين في القطاع.

 

 

إن أساس وجودها وفق نفس النص هو تعزيز أواصر علاقات التعاون والعمل المشترك بين مكونات الجسم الصحافي وقطاع النشر، والتحضير للانتخابات الخاصة بأعضاء المجلس الوطني الواجب انتخابهم وتنظيمها طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، وهو ما تجاوزته اللجنة حيث منحت لنفسها سلطة فرض القرارات على العاملين في القطاع، الشيء الذي جعلها عنصر تشتيت وليس عنصر جمع، وهو ما يقتضي تجند الجسم الإعلامي لمواجهة خطورة المؤامرات التي تقودها اللجنة، والتي تستهدف الإعلام والعاملين فيه، سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات إعلامية صغرى ومتوسطة.  

 

 

غاب عن ذهن اللجنة، أو ادعت الغباوة لتمرير المكر المفضي لتحقيق نفعية الهوى وتجسيد منطق الزعامة عبر الاستئساد على العاملين بالقطاع، أن القانون 90.13 لا يمنحها أية صلاحيات تقريرية، وأنها معينة وليست منتخبة لتقرر في مستقبل القطاع.

 

 

إن أساس وجودها كلجنة مؤقتة، كان بهدف ضمان استمرارية عمل أجهزة المجلس الوطني للصحافة، والعمل على التحضير لإعداد نظام جديد للمجلس مستلهما من مبادئ الحكامة الجيدة وقواعد حسن التدبير بكيفية ديمقراطية، بشكل يعكس طموحات جميع مكونات قطاع الصحافة والنشر الذي يُشكل دعامة أساسية في البناء الديمقراطي والإسهام في حماية حرية الرأي والتعبير، كما هي متعارف عليها دوليا، وفي ضوء أحكام الفصل 28 من الدستور الذي أكد على تنظيم القطاع بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية، وهو ما جسدت اللجنة من أول إطلالة لها خرق قواعده عبر التنزيل من خارج السياق القانوني لاستهدافات تطال كل العاملين في القطاع.

 

 

إن الواقع الممارس من قبل اللجنة عكس المسخ المعاش في شكل تركيب اللجنة ذاتها بما أن مكوناتها الآنية هي نفسها التي عطلت المسار الديمقراطي الواجب توفره من خارج حسابات الاستئساد على الوجود الطبيعي للعاملين في القطاع، مؤسسات كانت أو أفرادا، من خلال قرارات لا تعبر إلا عن زهايمر أعضاء اللجنة وحالة الخرف التي احتوتهم لدرجة أنهم أطلقوا الكذبة وصدقوها بوعي وليس عن جهل، لأن شهادة ميلادها المعاقة قيدت حركة فعلها إلا أنها تمادت في ضرب القطاع والعاملين فيه من خلال التطاول على صلاحيات ليست من صميم اختصاصها، علما أن تركيبة اللجنة المؤقتة هي نفسها التركيبة التدبيرية السابقة والتي عملت على خنق كل انعقاد للمجلس لإعادة النظر في الشخوص كما القرارات الشائخة المحافظة على التركيم من خلال توسيع الاحتكار القاتل للمقاولات الصغرى المحرومة من الدعم والعاملين بالقطاع الذين أرادتهم اللجنة لقطاء تحت بركات رحمتها.  

 

 

إن الوضع القائم والهجوم الكاسح الذي تخوضه اللجنة المؤقتة التي رسمت وجودها بقوة الأمر الواقع يقتضي من العاملين في القطاع التصدي لهاته المؤامرات التي تستهدف المقاولات الصغرى والمتوسطة والعاملين في القطاع بمختلف أصنافهم وتشكيل جبهة موحدة لرد الاعتبار للإعلام الحق والصحافة الوطنية والديمقراطية الفعلية والكرامة للمهنة و للمنتسبين لها والذين يضحون من جيوبهم لضمان استمرارية الهدف الوطني والإنساني الذي يجعلونه هدفا رغم كل أشكال التضييق وحضور اللوبيات المعيقة للتنمية وتطور المشهد الإعلامي الذي أصبح قاعدة أساسية في معارك البناء والدفاع عن الأوطان والهوية والتربية على القيم الإنسانية الجميلة التي تعمل اللجنة المؤقتة على ذبحها مع سبق الإصرار والترصد.

التعليقات مغلقة.