قانون الصحافة والنشر والتخلف عن مسايرة النموذج التنموي الجديد “الجزء الثاني”

جريدة أصوات

هل قانون الصحافة ومدونة الصحافة والقوانين اللحقة عبروا بالفعل عن هاته الروح المطلوبة وجسدوا عمليا هذا الاهتمام الفعلي بالمواطن؟ وهل القوانين المطروحة الآن تحمل حمولة وازنة بخصوص حقوق الإنسان وصون كرامته، وتضمن العدالة الشاملة وتساير طموحات ومرامي الألفية الثالثة كما رسخها دستور 2011.

 

 الحريات العامة وقانون الصحافة المسافة والمعيقات

 

كان المأمول أن يساير قانون الصحافة قواعد الحريات وينفتح على البناء التنموي الشامل، لكنه على العكس من ذلك جاء معاكسا لهذا التصور العام لأهداف ومرامي المشروع التنموي الجديد.

 

فعلى سبيل المثال فالفصل 6 من الدستور ينص على أن القوانين لا تسري بأثر رجعي، إلا أن قانون الصحافة جاء بأثر رجعي حينما طالب بالملاءمة مع القانون الجديد.

 

الوقائع والإحصائيات الرقمية على الأرض تبرز انحصار عدد المقاولات والمنابر الإعلامية من 3000 إلى 388 فقط، كما أنه ومن أصل 2600 مؤسسة إعلامية لم يتبق إلا 266 فقط، وزاد الرقم انخفاظا حيث لم تعد الآن تتعد 169، وهو رقم رهيب، يعكس حالة النكوص والتراجع المرعب الذي يقتضي المساءلة والمحاكمة.

 

القانون المصاغ وفي كل مراحله الرقمية تمت صياغته في نصه لخدمة فئة اجتماعية معينة وليس من أجل الرقي بالمشهد الإعلامي وتجويده ليصبح خادما لقضايا الوطن والإنسان وقيم الديمقراطية والحداثة، فما معنى أن تكون لطالب عضوية المجلس وفق قانون المجلس الوطني للصحافة أقدمية إعلامية تفوق 15 سنة من الممارسة، الأمر ببساطة يعني سيطرة نفس الهيئات الفيزيولوجية القائمة المستحوذة على كل شيء على كل دواليب المجلس وعلى الامتيازات الممنوحة، فأين هي فئة الشباب إذن ضمن هاته الاستراتيجية؟، وعن أي دور للشباب نتحدث في ظل سيادة هذا المنطق السلطوي البراغماتي النفعي في التعاطي مع الوضع الإعلامي، وهو منطق غير موجود في أي بقعة في العالم إلا في وطننا الحبيب.

 

بعد تلجيم الحصول على بطاقة المجلس ليس من المستبعد أن يطال القرار حتى الحصول على بطاقة الصحافة

 

ليس من المستبعد أن يطال هذا القرار طالبي البطاقة المهنية للتمكن من إقصاء أكبر عدد ممكن من المؤهلين لنيل بطاقة الصحافة، وهو ما أوضحته مجريات الأحداث حيث يواجه طالب البطاقة بشروط تعجيزية لقطع الطريق أمام الممارسين من القيام بدورهم الوطني والإعلامي والذي طال حتى المصورين والتقنيين، فأين هي سياسة التشبيب ومحاربة البطالة وتوفير مناصب الشغل؟ وهو ما يعني أن المادة 16 من القانون تحمل إجحافا كبيرا.

 

هذا الوضع السلبي انعكس على الأرض حيث تقلص عدد ممارسي مهنة الصحافة من 4500 صحافي وصحافية في ظل قانون الحريات العامة لعام 1958 إلى 2600 فقط في ظل القانون الجديد، فمن أسس لهذه الشروط المجحفة؟ وما المرامي من وراء تبويبها؟ وكيف يتم مطالبة المصور الصحافي بشهادة الإجازة والحال أن دبلوم المصور الصحافي التقني يكفي.

 

إن ما يمكن ملاحظته واستنتاجه من هاته الخلاصات البسيطة أن ما طرح ويطرح هو من أجل خنق الممارسة الإعلامية والممارسين الإعلاميين لفائدة شيوخ انتهت مدة صلاحيتهم وعبروا عن فشلهم الوجودي في الدفاع عن قضايا الوطن والبناء والتحديث والديمقراطية والرقي بالمشهد الإعلامي ما دام المنطق السائد هو براغماتي وبامتياز، لأن ما يطرح في ديباجة القوانين هو عبارة عن أمور تعجيزية، بهدف  الضغط والانتقاء لفائدة مجموعة تناسب واضعي هذه القوانين.

 

فلماذا يتم اعتماد بطاقة مهنية كل سنة على سبيل المثال؟ الجواب متروك للقائمين على الشأن الإعلامي، لكن الحقائق متكشفة وقد عريناها بالكشف من خلال تعرية خلفيات قتل النصوص وضبابية الأهداف لفائدة التركيم وغرس الاحتكار ونهج الإقصاء أسلوبا للمحافظة على الوجود النفعي المحض لتلك النخب الشائخة.

التعليقات مغلقة.