هل يحسب بنموسى آثار قراراته المشعلة للهيب التوثرات ذات القطاع والمهددة للاستقرار؟

ذ محمد عيدني

يبدو أن شكيب بنموسى قرر اللعب على نار توثير الأجواء ليس داخل قطاع التعليم من خلال قرار التوقيفات الصادرة في حق المضربين عن العمل، ولكن في توثير أجواء الاستقرار الاجتماعي بعد قراراته التصعيدية التي لا تبني تعليما وطنيا منفتحا ولا أمنا اجتماعيا مطلوبا في ظل الرهانات الكبرى التي تواجهها بلادنا، فما دلالات هاته الخطوة التي أقدم عليها بنموسى؟ وما دلالتها وخطورتها على الاستقرار؟ وكيف يمكن قراءة تاريخ تنزيلها بعد اتفاق 6 دجنبر 2023؟ علما أن الحكومة كانت تقول بأنها ستتراجع عن قرار الاقتطاع من أجور المضربين بقطاع التعليم.

 

 

 

الخطورة التي أقدم عليها بنموسى تعد سابقة خطيرة في التاريخ السياسي المغربي، لأنها تضرب الأسس العامة للدستور الذي يعتبر الإضراب حقا مشروعا ويحث على تنزيل مضامينه وحماية ممارسي هذا الحق، وبين سلوك الحكومة النشاز من خلال الاقتطاع من أجور المضربين، لتزيد الوزارة الطين بلة وتراهن بين ممارسة الحريات ولقمة العيش، في موقف خطير يقتضي المساءلة القانونية، على اعتبار أن الدستور يسمو حتى على المراسيم الحكومية، ولا يجوز لأي كان سلطة حكومية أو أفرادا تجاوزه أو السمو فوقه.

فأغلب المديريات الإقليمية والجهوية للتعليم توصلت بأوامر من بنموسى تدعوها، في سابقة هي الأولى من نوعها، إلى ممارسة حملة توقيفات عن العمل في حق مجمل الأساتذة المضربين عن العمل في مختلف المؤسسات التعليمية التابعة لها والموزعة على مختلف ربوع المملكة، وذلك بعدما توصل مدراء هذه المؤسسات بتوجيهات إدارية صارمة تصب في توجيههم للتبليغ عن المضربين وتحويل أجوبتهم على استفسارات الإدارة.

 

 

حلم بنموسى من التهديد إلى تفجير الأوضاع داخل قطاع التعليم

 

 

قرار بنموسى حقق إجماعا على رفضه من قبل الجميع، نقابات وتنسيقيات وأسرة تعليمية، باعتباره قرارا يحمل الجزرة في مقابل السكين إلى عنق هيئة التعليم، بما أنه  يستهدف ترويض هاته الهيئة عبر أسلوب الترهيب بقطع الأرزاق من خارج الدستور والقوانين المعمول بها، وهو ما يدفع نحو مزيد من توثير الأجواء وصولا إلى سنة بيضاء بآثارها على التلاميذ والأسر المغربية.

 

 

 

موقف بنموسى لقي تنديدا وإجماعا على رفضه باعتباره قرارا غير مؤسس ولا يرقى لمستوى التعبير عن أسس الدولة الديمقراطية المحترمة للحريات والضامنة للحقوق وفق ما ينظمه القانون الأسمى للبلاد، وهو الموقف الذي عبرت عنه كل من النقابة الوطنية للتعليم والجامعة الحرة للتعليم.

 

 

بنموسى بين توقيف الأساتذة وممارسة الانتقام من هيئة التعليم

 

 

 

التوقيفات التي وقع عليها بنموسى والتي تجانب الأسس الدستورية للبلاد لا يمكن وصفها إلا ب”الانتقامية” من أساتذة وأستاذات مرغوا بوقفتهم وعبر وحدتهم الوزارة ومعها الأغلبية الحكومية وأخرجوها عن جادة الصواب التدبيري إلى ممارسة لغة القتل الاقتصادي بعدما فشلت لغة الحصار الاقتصادي عبر الاقتطاعات من الأجور.

 

 

 

ما مورس هو محاكمة للحكومة ووزيرها بنموسى في باب خرقها لحقي “التظاهر والاحتجاج السلمي” المكفولين دستوريا، والمضمونين بنص الدستور والمواثيق والعهود والمواثيق الدولية.

الخطورة تظهر أكثر من كون الحكومة ووزيرها بنموسى ضحوا بالمدرسة العمومية وبمصالح التلاميذ والأسر والتي من المفروض أن تكون فوق كل اعتبار، وأن يعمل السيد الوزير بدل لغة توثير الأجواء المنتهجة إلى مزيد من معالجتها والتصدي لها بالحل، من خلال البحث عن أنجع آلية لتوفير الأجواء الطبيعية للتلقي، مع التفكير في كيفية تعويض الزمن المدرسي المعطل بسبب توالي الإضرابات.

الغريب في الأمر أننا أمام مسؤول تربوي وبدل ممارسة الأدوات التربوية لحلحلة الوضع القائم انتهج أسلوب وزارة الداخلية في التعامل مع مطالب المضربين من خلال سياسة التهديد والوعيد، الذي لا ينتج عنه إلا ردود فعل تحت عنوان الدفاع عن الحق والهوية وهو ما عبرت عنه التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم بالمغرب، التي قررت “تمديد إضرابها إلى يومه السبت 6 يناير 2024 مع تنظيم أشكال إحتجاجية” موردة أن خطوة التمديد تأتي “نظرا للتوقيفات التعسفية التي طالت مجموعة من المناضلات والمناضلين على المستوى الوطني”.

نفس الموقف عبر عنه التنسيق الوطني لقطاع التعليم، الذي قرر التصعيد معتبرا أن قرار التوقيف المؤقت عن العمل هو “خرق سافر لكل القوانين والمواثيق والأعراف الإدارية”، مؤكدا أن هذا الموقف يعكس “حالة التخبط والعشوائية التي تعيشها الحكومة المغربية ومعها وزارة التربية الوطنية وفشلهما الذريع في تدبير المرحلة واخماد وتيرة الاحتقان”، معلنا تضامنه الكامل مع كل الأساتذة المستهدفين بالتوقيفات عن العمل.

 

 

النسيق يقرر التصعيد في وجه “سمطة” بنموسى

 

 

الأكيد أن التوثير لا يخلق إلا أجواء أخرى من التوثير، وهو ما عبر عنه التنسيق الذي اعتبر أن الإجابة الطبيعية عن الوضع القائم يكون بالحوار وسياسة الإنصات لمطالب هيئة التعليم، وأن التهديد لن يواجه إلا بمزيد من التصعيد من قبل التنسيق ورجال ونساء التعليم.

 

 

 

فهل سيعود بنموسى وحكومة أخنوش لجادة الصواب واحترام الأسس الدستورية للمملكة، أم أننا سنكون أمام وضع شاد لن يقابل إلا بالمزيد من توثير الأجواء المسؤول عنه بنموسى وقراراته، وهو ما يمكن أن يهدد الاستقرار الاجتماعي وبالتالي السياسي، علما أن المغرب في غنى عنه في عالم مشحون بالتوثرات والأمراض والجفاف والأزمات الاقتصادية واستفحال البطالة وضبابية الأفق…..

التعليقات مغلقة.