من أعلام المغرب الاقتصادي السياسي: روح عزيز بلال التازي

عبد السلام انويكًة

بحي الجامع الكبير، وهو حي عتيق تاريخي شهير بتازة العليا، ولد مطلع ثلاثينات القرن الماضي.

 

 

كان ذلك في بيت عريق بزنقة موسومة لحد الآن ب”زنقة العالم ابن عبد الجبار”، التي سكنتها عده أسر تازية أصيلة.

ومن بين هاته الأسر نجد، أُسرة البروفسور “عبد المجيد بلماحي”، وأسرة محتسـب المدينة الحاج المقري.

بتازة العليا كانت بداية مساره الدراسي وتعليمه الابتدائي قبل انتقاله لوجدة، التي شد منها الرحال صوب الديار الفرنسية لمتابعة دراسته العليا. حيث حصل على دكتوراه الدولة في الاقتصاد السياسي، عبر أطروحة وازنة لا تزال نصا مرجعا علميا مهما في هذا المجال لحد الآن.

وقد توجه بعنايته البحثية فيها لموضوع غير مسبوق وبقدر كبير من الأهمية والخلفية التنموية الوطنية الاستراتيجية، “الاستثمار في المغرب”. أطروحة دكتوراه تم بها الحصول على جائزة جامعة “كًرونوبل” وما أدراك ما جائزة هذه الجامعة الدولية العريقة.

ذلك هو الباحث الاقتصادي والمفكر عزيز بلال التازي، رحمه الله، الذي عمل بعد تخرجه وإنهاء تكوينه العالي في الاقتصاد. بوزارتي “التخطيط” و”العمل”.

مشاركا في صياغة أول مخطـط مغربي وأول مشروع للضمان الاجتماعي، فضلا عن تأسيسه لجمعية الاقتصاديين المغاربة.

وعزيز بلال التازي هذا كان بوقع استاذية جامعية يضرب لها حساب وألف حساب. لِما كان عليه درسه الجامعي من تميز في مادة الاقتصاد السياسي بكلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء.

ويسجل ويحفظ لابن تازة هذا، أنه كان من أوائل من وضعوا أُسس ولبنات التعليم العالي الجامعي المغربي في ميدان الاقتصاد.

ولعل بقدر ما نشره من مؤلفات ودراسات ومقالات محكمة رصينة حول اقتصاد المغرب وما تميز به من هيبة تحليل علمي رفيع المستوى.

بقدر كان عليه من هواجس وانشغال بقضايا المجتمع المغربي وتطلعاته خلال ستينات وسبعيات القرن الماضي.

خاصة من هذه القضايا إشكالية التنمية والتخلف وبنيات الاقتصاد الوطني ورهان الاصلاحات.

مع أهمية الاشارة لِما كان منخرطا فيه من نضال حزبي ميداني، مطبقا ما كان يؤمن به، رافضا كل إملاء لتعليمات من وراء حجاب أو فرض موقف دون اقناع ولا اقتناع.

دون نسيان أنه بعد نهاية سبعينات القرن الماضي، دخل المغرب عشرية ثمانينيات وقد طبعها ما طبعها من خضوع البلاد لبرنامج تقويم هيكلي.

إجراء فرضته دول امبريالية مع بلوغ المغرب حالة من الاختناق الاقتصادي وعلى مستوى الدين الخارجي.

يذكر في علاقة بإبن تازة عزير بلال (1932- 1982) الاقتصادي النابغة.

ووفق ما جاء في كتاب موسوم ب“هكذا فكر عزيز بلال”، لمؤلفه الباحث نور الدين العوفي، الأستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط. حول ما كان عليه عزيز بلال من راهنية إسهام. وتصويب نوع من “الفهم غير الدقيق” لبعض أفكاره مع التعريف بأهم أعماله العلمية في صفوف الأجيال الجديدة الباحثة وكذا المهتمة المتتبعة والقارئة.

مؤلف حديث باللغة الفرنسية، جاء تعريفا وعرفانا واعترافا بعزيز بلال كاقتصادي مغربي من رواد المدرسة الاقتصادية السياسية المغربية.

وقد أنجز أطروحة من الطراز الرفيع المستوى حول الاستثمار في المغرب سنة 1965.

حازت الأطروحة جائزة أفضل أطروحة بجامعة غرونوبل آنذاك.

أطروحة  نشرت أولا في دار نشر فرنسية وفيما بعد ذلك في المغرب”.

وأضاف: أنه لاحظ كأستاذ أن أعمال عزيز بلال على الرغم من أهميتها وكون صاحبها من مؤسسي الاقتصاد السياسي بالمغرب إلا أنها لم تعد معروفة حتى لدى طلبة الدكتوراه. 

حاول الكتاب المساهمة في محو بعض من هذه الأمية الاقتصادية، سواء في الوسط الطلابي أو لدى عموم القراء والمهتمين.

والكتاب مُوجه لشريحة واسعة من القراء ولا يقتصر على شريحة الاقتصاديين.

وقد أورد الباحث نور الدين العوفي، أن العودة لأطروحات عزيز بلال جاء وعيا بـ”راهنيتها القوية”. وأنه سعى في عمله لتطويرها “في ضوء التطورات التي عرفتها بلادنا لاحقا”. وأيضا بالإحالة إلى “التصور الافتراضي” للراحل عزيز بلال لـ”النموذج التنموي الجديد”. بقراءة “استحضارية واستشرافية”. هذا ”دون الإخلال بشمولِ فكره، وانسجام تحليلاته الاقتصادية فيما يخص المغرب”.

ومن بين ما يستعرضه الكتاب “مسألة الاستثمار الوطني” التي أولاها بْلال “أهمية قصوى”.

واعتبر أن “الاستثمارات الأجنبية تلعب دورا مُكملا”.

ودعا لـ“الاستثمار في البنيات التحتية وتطوير الصناعة الوطنية، والارتقاء بالإنسان”.

فقد كان “دور الدولة أساسيا بالنسبة إليه، في حد ذاته، وفي التحفيزات التي تمنحها وتواكب بها القطاع الخاص”.

وهو ما “أخطأَت بعض القراءات في استيعابه”، لكونه “يعطي الأولوية للقطاع العام من أجل القطاع الخاص لا على حسابه”.

ومما وقف عنده المؤلف، ما كان للراحل عزيز بلال التازي وما كان يوليه من أهمية استراتيجية لـ”السيادة الاقتصادية الوطنية”.

يذكر أن تصور الاقتصادي عزيز بلال التازي، لم يقتصر على البعد الاقتصادي بل سجل أهمية “المشاركة السياسية الديمقراطية”، أي ما يعرف اليوم بـ”الحكامة الجيدة”. ولو أن هذا المصطلح لم يكن متداولا آنذاك.

وأوضح أن “الدور الاجتماعي المتمثل في الاهتمام بالمواطن وخاصة الطبقات المعوزة. فضلا عن دور الدولة في التنمية الاجتماعية، من خلال إيلاء الأهمية لتلبية حاجيات المواطن من تربية وصحة ومرافق اجتماعية وغيرها. دون نسيان سهرها على اعادة توزيع الثروات والحد من الفوارق الصارخة”.

وهنا من المفيد الوقوف على ما كان لعزيز بلال من اهتمام بالجانب الثقافي وبالثقافة الوطنية عامة والشعبية خاصة. ومن أهمية وقيمة مشاركة المواطن المغربي في كل تدبير مع إشراكه في أخذ كل قرار.

وأكد أن“السياسات الاقتصادية لا تكون منتجة وناجعة بالوجه المطلوب، خارج محيطها الاجتماعي ودون اعتبار للخصوصيات الثقافية”.

رحم الله مفخرة تازة والمغرب، أحد صفحات مجد تازة ونبوغها العلمي البحثي الاكاديمي الحديث “عزيز بلال”.

الايقونة الذي توفي في ظروف غامضة قبل أزيد من أربعين سنة.

فلروح بن تازة وبن حي الجامع الكبير بالمدينة العتيقة بتازة العليا، رحمه الله، كل رحمة ودعاء وذكر وتعظيم واجلال واكبار.

التعليقات مغلقة.