أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الدعشنة التي نحاربها..الدعشنة التي ننتجها؟؟

الحبيب عكي

لا يزال المنتظم الدولي في تناقض صارخ ومنطق متضارب، فمن جهة يكره “الدعشنة” ويحارب التطرف والإرهاب بلا هوادة، ومن حقه و واجبه الأمني، وفي نفس الوقت لا تزال سياسته الاستقوائية على المستضعفين، ومواقفه الفوضوية الخفية منها والمعلنة على العالمين، لا تعمل إلا على إنتاجهما وتغذيتهما على رأس الأشهاد، وبكل سخاء، دون خجل ولا وجل، ودون كلل ولا ملل؟؟،تكررت بين القوم حكاية “الحلوف” وقد دأب طوال حياته على الحفر بمخالبه في كل شيء، فلما سئل عن ذلك قال “لكي أعيش”، وسئل أيضا ولماذا تعيش قال: “لكي أحفر”؟؟.

 

وبالتأكيد يجتهد المنتظم الدولي ورقاصيه وقراصنته ومرتزقته على إعمال القانون الدولي لعزل “الدعشنة” وخنق بشاعتها، والتشنيع بالتطرف والإرهاب أو ما يحسبه كذلك، وتجييش الجميع للانخراط في محاربتهما حربا شاملة تحرق الأخضر واليابس، وهذا ولاشك أمر مطلوب لتحقيق الأمن والسلام العالمي، ولعيش الأمم والشعوب في نوع من الاستقرار وحفظ المصالح وتحقيق التنمية والازدهار ولو بمقدار؛ لآن “الدعشنة” والخوف والإرهاب من جهة، والديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان، من جهة ثانية، ضدان لا يلتقيان، قال تعالى: “فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”؟؟.

ولكن وبالمقابل أيضا، عندما تتشبث الدول العظمى ببقايا الحرب الباردة وطلاسيمها، فتجدها تكيل بمكيالين، فتبيح لنفسها التدخل في دول من طينة الدول العربية والإسلامية بدعوى فرض الديمقراطية وتصحيح المسار ومحاربة الأخطار، وفي نفس الوقت تسكت عن دول تدمر شعوبها وأقلياتها وجيرانها ليل نهار، ولكنها ليست من الطينة الأولى؟؟.

وعندما تستعمل هذه الدول العظمى “حق الفيتو” في خلق أو إلغاء القرار الدولي واختراقه متى وكيف تشاء، وعندما لا تفي بالتزاماتها في صناديق الإنقاذ العالمي والتعاون الدولي، وتمنع مساعداتها أو تسيسها في العديد من الأقطار والأمصار التي أعجزها الاستعمار عن النهوض الذاتي؟؟.

ما معنى أن تكون أمريكا وبريطانيا على راس الدول الراعية لاستيطان الكيان الصهيوني العنصري الإرهابي المدمر في فلسطين عقودا وعقودا وليست من أرضها ولا من بني قومها؟؟، وبأي حق أباحت أمريكا لشيطانها الإرهابي العبثي البلطجي التدخل في العراق وأفغانستان، وكونت من أجل ذلك أحلافا ورطت فيها دولا مرتزقة في اجتياحات وعواصف لا ناقة لها فيها ولا جمل، ولم تعد عليها إلا بسوء الأحدوثة عبر التاريخ، ومقابل أية حصيلة أمنية وتنموية كانت هذه العواصف باعتبار الأمن والسلام؟؟، إلى متى سيكف الدب الروسي عن العيش والانتعاش من جوارح صقيع الجمهوريات الإسلامية ودول الجوار التي لم يخجل من تشتيت قومها وتهجير سكانها متسولين عبر موائد العالم؟؟، وبأي منطق أباحت السعودية وحلفاؤها لأنفسهم انتهاك حرمة “اليمن” وحقه في وحدته الوطنية وخصوصية سياسته وعلاقاته الدبلوماسية وشأنه الداخلي؟؟.

إنه من الفظاعة التي لا تغتفر حقا أن نلبس “الدعشنة” لبوسا دينيا، وإسلاميا بالذات، وإن ظهر بعضها باسمها ومارس بربريته بلبوسه وطقوسه الخاصة، لأنه أولا لبوس وطقس مفترى عليه مرفوض علميا وعمليا من طرف جميع المسلمين الذين لا يرون تدينهم وعبادتهم إلا في قدوتهم الرحمة المهداة والنعمة المسداة، لا في التوحش وإراقة الدماء دون موجب جهاد حقيقي ومشروع؟؟، ثانيا لأن في كل الديانات المحرفة والحركات الراديكالية والفلسفات المتطرفة “دعشنات” مماثلة أجمعت كلها على تسطير تاريخ أسطوري رهيب من إراقة الدماء وتخريب الديار بكل حماسة متقدة حارقة وبرودة الأعصاب والدماء؟؟.

وثالثا، أليست “الدعشنة” بكل وضوح صنيعة قذرة من طرف محاربيها، ومسألة “سياسية” بامتياز وليست دينية ولا “إسلامية”، وإن ادعى ذلك أهل دولتها وخلافتها وشامها؟؟، أليست موجة عنيفة ورد فعل قوي ركب عليه الراكبون بعد الولادة لتحرير الشام والعراق مما اجتاحه ظلما وعدوانا من الامبرياليات الشرقية والغربية على السواء؟؟، وحكامنا من جهتهم ربما نسوا أو تناسوا أن سياساتهم التي لا تعمل في مجملها إلا على تفريخ الفقر والأمية والبطالة والجوع وارتفاع اليأس و الإقصاء إلى درجة قد لا يملك معها المرء في وطنه غير حق التصويت وحتى هذا الحق تحرق صناديقه وتسرق إرادته الشعبية؟؟،

وبالإضافة إلى سلوك العديد منا من أعداء الحرية وعشاق التضييق على المرأة وشرنقة الأنانية والنمذجة ونفي المخالف وتكفيره وعدم تحمل تعايشه وسلوكه ورأيه وحقوقه..، ومعاملته بالقسوة والعنف والقهر والإجبار..؟؟، وعندما لا يصل الحاكم إلى كرسيه إلا على ظهر الدبابة، ويتشبث بحكمه مدى الحياة، ولا يرى لقومه إلا العمى الذي يرى؟؟، فأليست هذه السياسة هي المسؤولة قبل غيرها عن “الدعشنة” ومآسيها التي يصطلي بها أبطالها الجهاديين المتوهمين قبل غيرهم، لا لشيء إلا لأنهم أيضا دفعوا بالتي هي أخشن ولم يدفعوا بالتي هي أحسن، ونسوا أو تناسوا مع ذلك أن الخطأ لا يعالج بالخطأ، وأن الضرر لا يدفع بالضرر، وأن أبواب التدافع السلمي وكل أطياف الجهاد الحضاري لا تزال رغم كل شيء على الدوام مشرعة وتستوعب الجميع؟؟.

       

ما معنى أن تنسحب الدول العظمى بإمكانياتها الاقتصادية الكبرى، وتعتاد هدرها أو رميها إلى الحيوان بدل تسخيرها للإنسان حتى أنه قد تجد المرء طفلا في أفريقيا أو آسيا يموت جوعا وفيلا في أوروبا يتمتع يوميا ب 150 لتر من الحليب؟؟، فأين هو انخراط هذه الدول في القضايا الدولية الحقيقية وما يهم الشعوب من الأمن والسلم العالمي الحقيقي، ماذا يقدم هذا المنتظم الدولي لقضايا الديمقراطية والتنمية وسباق التسلح في الدول النامية، لقضايا البيئة والصحة والتعليم والغذاء ومحاربة الفقر والجهل والأمراض الفتاكة، لقضايا الشباب والهجرة القسرية المستفحلة ومآسيها الإنسانية، لقضايا المرأة والطفولة في وضعية الهشاشة والإقصاء، لقضايا الشعوب النازحة وعلى رأسها الشعب “السوري” و”الروهينجي”؟؟.

قيل لأحدهم إن هذه الفاكهة حلوة طيبة، فقال: “فمي سيريني”، وكذلك شعوب العالم أظن أنها لا زالت تمتلك ذاكرة حية وأفواها ستريها كل القصص والحكايات من غيرها من الخزعبلات والادعاءات، وشتان شتان ما بين “الدعشنة” البربرية المتوحشة، وما بين الجهاد بكل أشكاله وأبعاده البناءة، وشتان شتان ما بين حفظ الأمن عبر المساعدة على الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان وبين غطاء فوضوي غير خلاق من أجل التحكم والاستبداد والاستعمار الجديد عبر النظام الدولي الجديد والقابلية له، شتان شتان بين “الدعشنة” التي نحاربها و”الدعشنة” التي ننتجها؟؟.

التعليقات مغلقة.