الضرائب الإعلامية للجهل بالعقل الإسلاموي

د. منتصر حمادة

على هامش المؤتمر السنوي للإسلاموية الفرنسية في نسختها الفرنسية ــ تحمل إسم “اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا” ــ والذي يُنظم في معرض “لوبورجي” بضواحي العاصمة الفرنسية باريس، نشر موقع القناة الثانية “2M” متابعة إخبارية للحديث، مؤرخة في 21 أبريل الحالي، دون أي إحالة على المرجعية الإيديولوجية للمؤسسة المنظمة للمؤتمر، والذي تميز هذه السنة بتراجع عدد الحضور مقارنة مع السنوات الماضية التي كانت تتميز بحضور العديد من الدعاة الإسلاميين، من التيار الإخواني والتيار السلفي الوهابي، من المشرق على الخصوص.

نقول هذا أخذاً بعين الاعتبار أن تديّن أغلب مسلمي فرنسا لا علاقة له بالإيديولوجيات الإسلاموية المشرقية، ومع ذلك، كان الحضور النخبوي المشارك في هذا المؤتمر السنوي لا يخرج عن الرموز الإسلامية الحركية أو المحسوبة عليها، من قبيل مشاركة الباحث والداعية طارق رمضان، دون الحديث عن حضور “يسار الإخوان” في نسخته الفرنسية، من قبيل مشاركة الباحث الفرنسي فرانسوا بورغا، والذي غالباً ما يُشارك في الندوات والمؤتمرات التي تنظمها الحركات والأحزاب الإسلامويية (في تونس والمغرب مثلاً)،  لولا أن قضية رمضان الأخيرة، ومحددات أخرى، تقف وراء تراجع الحضور المشارك هذه السنة، كما أشارت إلى ذلك متابعة إخبارية صدرت في صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية (عدد 21 أبريل الحالي).

تضمنت المتابعة الإخبارية للقناة الثانية، وقفات مع مبادرة الداعية والباحث الإخواني مروان محمد، وذات صلة بإحداث مرصد خاصة بظاهرة الإسلاموفوبيا، [CCIF] وهي مبادرة من مبادرات المشروع الإخواني ذاته، وإن كان ناطقاً باسم “مسلمي فرنسا”، لولا أن التوجه الإيديولوجي للمشروع يبقى طاغياً، وهذا أمر معلوم عند متتبعي الظاهرة الإسلاموية بشكل عام، في تفرعاتها الدعوية والسياسية والقتالية.

كيف نفسر سقوط موقع إخباري تابع لمؤسسة عمومية في هذا الخلط بين خطاب مسلمي فرنسا وخطاب إسلاميي فرنسا؟

لن نطلب من أهل الموقع ولا القناة الانتباه إلى الفوارق بين الدين والتديّن، وبالتالي الفوارق بين الإسلام والإسلاموية، فهذا نقاش نظري، ولو أنه عموماً، لا يبدو الأمر خافياً عن أغلب المسؤولين هناك، بصرف النظر عن قيادة حزب إسلامي حركي للحكومة المغربية الحالية، بمقتضى احترام المنهجية الديمقراطية، ولكن في حدود، لأنه لو تم فتح جميع أبواب هذه المنهجية، لكانت القناة الثانية اليوم خاصة لتحكم المشروع الإخواني، على غرار ما قام به المشروع ذاته في العديد من المؤسسات التعليمية والدينية، في إطار تفعيل مشروع أو استراتيجية التمكين التي يشتغل بها العقل الإخواني بشكل عام في المنطقة، وهذا شأن المشروع ــلأن الناس أحرار في اختياراتهم العقدية فالأحرى الإيديولوجية ــ بقدر ما يهمنا البحث عن أسباب السقوط في المأزق النظري أعلاه، لأنه مع العمل بقاعدة احترام الاختيارات العقدية والإيديولوجية لهذا المشروع وغيره، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن المشروع المعني هنا هدفه أسلمة [islamisation] المجتمع والنظام والدولة في أي مجال مجتمعي يتواجد فيه.

في غضون يناير 2017، سوف يُعلن “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” (الفرع الأوروبي لجماعة “الإخوان المسلمين”) انفصاله عن الجماعة، وذلك بعد اجتماع موسع للهيئة العمومية الرابعة للاتحاد التي انعقدت بحضور كافة المنظمات الأعضاء في الاتحاد يوم 29 يناير 2017 بمدينة إسطنبول التركية، حيث أقرت حينها الهيئة في اجتماعها ما أسمته بمشروع “تطوير وهيكلة الاتحاد” ليكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات الكبرى، بحسب ما جاء في البيان الختامي للاجتماع. كما أكد المجتمعون في بيانهم أن الاتحاد عبارة عن “مؤسسة أوروبية ليس لها أي ارتباط تنظيمي أو إداري بمؤسسات، أو هيئات خارج أوروبا”، وأنه “يبني علاقاته على أساس من الانفتاح والتعاون من أجل الصالح العام”.

وفي غضون ماي 2017، سوف يتم تغيير إسم الفرع الأوروبي للمشروع الإخواني، من “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” إلى اتحاد “مسلمي أوروبا” [كذا]، وهو الاسم الجديد لمؤسسة تشمل نحو 3600 مركزاً أو جمعية في أوروبا، ينتمي عدد لا بأس منها إلى المشروع الإخواني، مع أن الإسلام شيء والإسلاموية شيء آخر: الإسلام دين، والإسلاموية إيديولوجية.

وبحكم تزامن هذه التطورات مع تصنيف الجماعة ضمن “المنظمات الإرهابية” في إطار تطورات أحداث “الفوضى الخلاقة”، سيذهب رئيس التجمع الجديد، أي تجمع “مسلمون أوروبيون” عبد الله منصور، إلى أن “مسلمي أوروبا هم نتاج أوروبي خالص ولا علاقة لهم بالإخوان، وقال: “قصة العلاقة بالإخوان هي جزء من المعركة الفكرية العالمية، ونحن مسلمون أوروبيون، وما يسمى بفكر الإخوان هو تسمية أكاديمية للإشارة إلى الفكر الوسطي [كذا]، وهو فكر يتقاسمه معها العديد من مكونات الساحة الإسلامية”.

لا نطلب من إدارة القناة الثانية أو على الأقل، من المشرفين على الموقع الناطق باسم المؤسسة ذاتها أن يكونوا على علم بهذه المعطيات والمستجدات، ولكن نطلب الحد الأدنى من المتابعة لأن الجهل بآليات اشتغال المشروع يُساهم في خدمة مصالحه، ومن ذلك الجهل بأدبيات التمكين والتقية والاختراق والازدواجية وغيرها من المفاهيم والممارسات التي يتربى عليها العقل الإخواني منذ مرحلة الطفولة والمراهقة، فالأحرى في مرحلة التمكين المؤسساتي، كما هو قائم نسبياً، بشكل أو بآخر اليوم في المغرب، في بعض المؤسسات.

ما جرى مع المتابعة الإعلامية أعلاه، يُصنف في خانة الضرائب المادية المباشرة للجهل بتلك الأدبيات الإسلامية الحركية، ولو كانت الأمر يتعلق برأي عام، ضحية مستويات مرتفعة في الأمية (الأبجدية والوظيفية)، لكان هيناً، ولكن، عندما يتعلق الأمر بإعلام عمومي يُساهم في تأطير الرأي العام وتوجهيه، نحو ما يُفترض أن يخدم المصالح العليا للوطن، وليس المصالح العليا للمشاريع السياسية الإيديولوجية، دينية أو مادية، حينها وحينها فقط، يجب إعادة النظر في طريقة الأداء والتفاعل، خدمة بالتحديد للمصالح العليا للأوطان.

التعليقات مغلقة.