سويسرا: عش قراصنة العالم

منير الحجوجي

 في السنوات الأخيرة بدأت تظهر كتابات تتحدث عن سرطان جديد بدأ يفرزه الرأسمال الدولي المتوحش: سرطان التهرب الضريبي.. و بدأت الأصابع تشير الى دور البنوك السويسرية في تيسير هروب/نقل الأموال من الجنوب نحو الشمال.. بدأ الحديث عما يتخفى وراء دولة الشكولاتة/الأناقة الكبرى: نهب بلادك و جيب لينا نتهلاو فيك و نضربو معاك الكاميلة و….. الطاسة تاهي..تلعب سويسرا دورا محوريا في “استقبال” الأموال المنهوبة من العالم الثالث.. تقدم سويسرا للنهابة خدمة أساسية: انها تمكنهم من إخفاء أموالهم عن مصالح الضرائب في بلدانهم مساهمة بذلك في واحدة من أكبر الجرائم في حق البشر على مر التاريخ..مثال واحد فقط ضمن عشرات الأمثلة.. هناك حوالي أربعة مليار نسمة تعيش في 121 بلاد من العالم الثالث.. في كوما، بالكونغو، و هي مدينة بحجم مدينة الدار البيضاء لاوجود في المستشفيات لمضاد حيوي واحد.. السبب: نهب كابيلا وشركاءه للثروة الوطنية.. وأموالهم توجد أساسا في سويسرا، و بشكل خاص بجونيف.. انه مال الدمl’argent du sang .. في سويسرا كل البنوك تتوفر على شعب مكلفة بتنظيم تهريب الرساميل.. تنظم هذه البنوك كل شيء لصالح مافيات الجنوب.. ما “لا” تعلمه هذه البنوك أن الملايير التي تنهب من إفريقيا و ترحل الى سويسرا هي أموال بثمن غالي جدا: انها ألام الأطفال الذين لايتوفرون لا على المستشفيات و لا الغذاء و لا العلاجات..في خروج اعلامي خطير للغاية، صرحت كارلا ديل بونطي ( وهي النائبة العامة السابقة للكونفدرالية السويسرية)  بأن 80 في المائة من ألاف الملايير المودعة في أبناك سويسرا و خاصة بجونيف هي أموال منهوبة من افريقيا.. 

أموال متسخة: غش ضريبي، مال المافيا، مال الدم.. أكرر: ان ثمن هذه الجريمة غير المسبوقة ألام ملايين الأطفال بالكونغو و النيجر و ساحل العاج و….المغرب….. الأطفال الذين لايجدون لا العلاج و لا الغذاء و لا…. المستقبل.. ما الذي يجب فعله أمام الفاجعة؟ يجب أولا ألا نستمر في الوهم.. كثيرون يعتقدون أن حل مشكل العالم ليس هو النقاش، التوافق، التفاهم، الحب.. لقد تم تجريب كل هذه الأمور.. حل مشكل العالم باختصار شديد هو 1789 عالمية.. أن نجد حشدا هائلا من المحامين السويسريين في السجل التجاري لبناما لايجب أن يشكل لنا مفاجأة.. في باناما، في كرنيسي، في الباهاماس، نلتقي ب 1200 محامي أصلهم من جونيف.. الكثير منهم لم يدافعوا في أي ملف طلاق أو عقد تجاري.. مهمتهم؟ انها مهمة شرعية تماما.. أولا تحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح الضريبية optimisation fiscale  ، أي البحث عن أنجع الوسائل، بالنسبة لزبنائهم، و خاصة الزبناء الخارجيين، للتهرب من تأدية الضرائب.. وهذا يمر أساسا عبر الأوف شورoffshore . الضحايا لايوجدون فقط في الجنوب.. في الشمال، بسبب التهرب الضريبي تفقد سويسرا 40 مليار أورو، فرنسا حوالي 80 مليار.. مؤخرا تفجرت قضية الوزير الفرنسي الأنيق جدا كاهوزاك Cahuzac، و السيدة الأنيقة جدا مدام بيطانكورBetancourt ، صاحبة العملاق العالمي لوريال.. عند الأول تم اكتشاف وجود حساب باسمه يضم 15 مليون أورو لم يصرح بها لدى السلطات الضريبية الفرنسية.. أما الثانية فلقد صرحت بنفسها أنها وضعت 100 مليون أورو في أحد البنوك السويسرية.. في الواقع ما يحصل بفرنسا لايجب مقارنته بما يقع بدول الجنوب…

في فرنسا هناك ناس ينهبون بلدهم.. هذا أكيد.. وهذا له وقع على الوضع الاقتصادي مع تنامي البطالة و الهشاشة.. لكن لا أحد بفرنسا يموت جوعا، أو مرضا.. في دول الجنوب الأمر مختلف جدا.. ان النهب بإفريقيا/أسيا ثمنه هو تجويع الناس، ثمنه هو قتل ألاف الأطفال.. النهب ليس فقط وضع اليد على مال الأخرين، النهب جريمة قتل.. هناك مهمة أخرى تقترب من عمل التخريب: منع التعاون القضائي.. فعملية استعادة أموال الشفار/القتال الفليبيني التاريخي ماركوس – استعادة جزء فقط من المال المنهوب- استمرت 12 سنة، و خمس سنوات بالنسبة للنهاب/القتال الأخر الافريقي الخطير أوباشا.. ولحد الساعة فان أربعة من خمسة طلبات استعادة الأموال المسروقة فشلت بسبب تدخل المحامين لرفض الدعوة..هناك اذن تواطؤات من أجل هدم الشعوب.. أكل أحشائها.. منعها من الوقوف.. وكل هذا من أجل ماذا؟ الجواب بسيط جدا: التوفر على إمكانية الهروب الى جنات الفيدجي، إمكانية التغيير السريع لنساء السرير، إمكانية استهلاك كافيار الأسماك الغابرة….. العالم يحكمه براهش.. و ليس هناك أخطر من برهوش يلهو..

التعليقات مغلقة.