الدوخة Le Vertiges

بقلم د. مبارك أجروض

بقلم د. مبارك أجروض

 

تُعرف الدوخة vertiges بأنها اختلال في التوازن وعدم القدرة على التحرك بانسيابية، فهي مصطلح يُستخدم لوصف مجموعة من الأحاسيس، مثل الشعور بالإغماء أو الوهن أو الضعف وعدم الثبات. هو يخلق إحساس خاطئ بأن الشخص أو محيطه يدور أو يتحرك، والجدير بالذكر أيضا أن الدوخة ليست مرضًا، وإنما هي عرض لمرض يستوجب فحص مصدره.

وتعتبر الدوخة واحدة من بين الأسباب الأكثر شيوعًا لقيام البالغين بزيارة أطبائهم – وهم يشعرون بألم الصدر والتعب، وعلى الرغم من أنّ نوبات الدوخة المتكررة أو الدوخة المستمرة قد تمنع الشخص من القيام بكثير من الأشياء، إلا أنها نادرًا ما تشكل خطورة تهدد الحياة، ويتوقف علاج الدوخة على سبب أعراضها، ولكنه عادة ما يكون فعالاً.

 

* أعراض الدوخة

هناك الإحساس الزائف بالحركة أو الدوران (vertige)، الإصابة بالدُوار أو الشعور بقرب الإغماء، فقد الاتزان أو عدم الثبات (déséquilibre)، أحاسيس أخرى مثل الطفو، أو السباحة، أو ثقل الرأس. ويمكن لعدد من الحالات الصحية الكامنة أن تتسبب في هذه المشاكل، وبعض هذه الحالات يُشوش أو يُربك الإشارات التي يتلقاها المخ من واحد أو أكثر من الأجهزة الحسيّة، التي تشمل العين، والتي تساعد في تحديد موضع الجسم في الحيز المكاني وكيف يتحرك، الأعصاب الحِسيّة، التي تُرسل الرسائل إلى المخ عن حركة الجسم ووضعياته، الأذن الداخلية، التي تضم المستقبلات الحِسيّة التي تساعد في اكتشاف الجاذبية والحركة جِيْئَةً وذَهاباً.

 

* متى ينبغي زيارة الطبيب ؟

على الشخص أن يقوم بزيارة الطبيب إذا كان يعاني من أي دوخة متكررة أو حادة، غير مُفسرة، ويلتمس المساعدة الطبية العاجلة أو يتوجّه إلى غرفة الطوارئ إذا عانى من أي دوخة أو دُوار جديد حاد إلى جانب أي من إصابة خطيرة في الرأس، صداع جديد مختلف أو حاد، تيبُّس الرقبة الشديد، تشوش الرؤية، فقدان السمع المفاجئ، صعوبة في التحدث، ضعف في الساق أو الذراع، فقدان الوعي، السقوط أو صعوبة المشي وألم الصدر أو تسارع معدل ضربات القلب البَطِيء.

 

* أسباب الدوخة

إنّ الطريقة التي يشعر بها الشخص في الدوخة – مثل الإحساس بالدُوار، أو الشعور بالإعياء، أو الشعور كما لو كان قد فقد توازنه – توفر أدلة عن الأسباب المُحتملة. كما قد تُقدم مسببات معينة، مثل بعض الأنشطة أو الوضعيات، أدلة عن السبب الكامن وراء شعوره بالدوخة. أيضًا، معرفة مدة أي نوبة من نوبات الدوخة أو أي أعراض إضافية يعاني منها يمكن أن تساعد في تحديد السبب على وجه الدقة. والدُوار ينشأ عادة من تغير فجائي أو مؤقت في نشاط بنى التوازن في الأذن الداخلية (appareil vestibulaire) أو في وصلات بنى التوازن في المخ، وهذه الوصلات تُحس بالحركة والتغير في وضعية الرأس؛ لذا فإن الجلوس أو الحركة قد يفاقم الوضع، وفي بعض الأحيان يكون الدُوار من الحِدة بحيث يتسبب في الغثيان، والقيء، ومشاكل في التوازن، ولكن، الخبر الجيد بشأن الدُوار هو أنه لا يدوم طويلاً في العادة، ففي خلال أسبوعين، يتأقلم الجسم عادة مع أي شيء يسبب الشعور بالدوخة، وتتضمن أسباب الدُوار ما يلي:

ـ الدوار الوضعي الانتيابي الحميد Vertige positionnel paroxystique bénin (VPPB). 

يتسبب الدُوار الوضعي الانتيابي الحميد في نوبات عنيفة وقصيرة من الدُوار تلي مباشرة تغيّر وضعية الرأس، عادة عند التقلب في السرير أو النهوض من الفراش في الصباح. ويعد الدُوار الوضعي الانتيابي الحميد أكثر الأسباب الشائعة المؤدية إلى الإصابة بالدُوار.

ـ التهاب الأذن الداخلية Infection de l’oreille interne. 

تتضمن علامات وأعراض التهاب الأذن الداخلية (névrite vestibulaire aigue) الشعور المفاجئ بدُوار مستمر وعنيف قد يستمر لعدة أيام، بالإضافة للغثيان، والقيء، ومشاكل في التوازن. وقد تصل حِدة هذه الأعراض إلى أن تُضطر معها لملازمة الفراش. وعند اقتران هذه الأعراض بفقدان السمع المفاجئ، فإن هذه الحالة تُسمى التهاب تيه الأذن. ولحسن الحظ، فإن névrite vestibulaire عادة ما تخف حدته ويزول من تلقاء نفسه. ولكن، علاج الحالة بشكل مبكر وإجراء علاج تأهيلي appareil vestibulaire يمكن أن يكون مفيدًا في تسريع الشِفاء.

ـ مرض مينيير Maladie de Ménière. 

ينطوي هذا المرض على تراكم السوائل في الأذن الداخلية بشكل زائد. وهو يتسم بالإصابة بنوبات مفاجئة من الدُوار تدوم حتى عدة ساعات، يصاحبها فقدان السمع بشكل متذبذب، وطنين في الأذن، وشعور بامتلاء الأذن المصابة.

ـ الصداع النصفي الدهليزي Migraine vestibulaire. 

يعتبر الصداع النصفي أكبر من كونه مجرد صداع، ومثلما يعاني بعض الأشخاص من رؤية “هالة” بصرية تصاحب إصابتهم بالصداع النصفي، فإن الآخرين قد يصابون بنوبات من الدُوار ويعانون من أنواع أخرى من الدوخة كنتيجة للصداع النصفي حتى ولو لم يعانوا من صداع حاد، وهذه النوبات من الدُوار يمكن أن تدوم لساعات أو أيام وقد يصاحبها صداع إلى جانب حساسية للضوء والضوضاء.

ـ ورم العصب السمعي Névrome acoustique. 

ورم العصب السمعي (Schwannome vestibulaire) هو نمو غير سرطاني (bénigne) على nerf homéostatique، الذي يربط الأذن الداخلية بالمخ، وتتضمن أعراض ورم العصب السمعي عمومًا فقدان السمع بشكل متزايد وطنينا في الأذن من جهة واحدة يصاحبه شعور بالدوخة أو عدم التوازن.

ـ أسباب أخرى. 

أحيانًا يمكن أن يكون الدُوار عرضًا لمشكلة عصبية أكثر خطورة مثل السكتة الدماغية، أو نزيف في المخ، أو تصلب الأنسجة المتعدد. وفي مثل هذه الحالات، توجد عادة بعض الأعراض العصبية الأخرى، مثل ازدواج الرؤية، أو تداخل الكلام، أو ضعف أو تنميل الوجه، أو مشاكل في تناسق حركة الأطراف، أو مشاكل حادة في التوازن.

قد تُصيب الدوخة الشخص بالإعياء والدُوار بدون فقدان الوعي. وفي بعض الأحيان يُصاحب الشعور بالإعياء إحساس بالغثيان، مع شحوب البشرة ورطوبتها. وتتضمن أسباب هذا النوع من الدوخة ما يلي:

ـ انخفاض ضغط الدم (Hypotension orthostatique). 

قد يؤدي الانخفاض الحاد في ضغط الدم الانقباضي – الرقم الأكبر في قراءة ضغط الدم – إلى الإصابة بالدُوار أو الشعور بالإعياء. ويمكن أن يحدث هذا الأمر بعد النهوض من الفراش أو الوقوف بسرعة.

ـ عدم خروج الدم بشكل كافٍ من القلب. 

بعض الحالات مثل أي من أمراض عضلة القلب المختلفة (cardiomyopathie)، أو عدم انتظام ضربات القلب (arythmie)، أو الانخفاض في حجم الدم، قد يتسبب في تدفق الدم من قلبك بشكل غير كافٍ.

ـ فقدان الاتزان (déséquilibre). 

اختلال التوازن هو فقدان الاتزان أو الشعور بعدم الثبات أثناء المشي. وقد تتضمن الأسباب مشاكل بالأذن الداخلية (appareil vestibulaire) (يمكن أن تتسبب اضطرابات الأذن الداخلية في الشعور بعدم الثبات أثناء المشي، وخاصة في الظلام)، troubles sensoriels، (قصور الرؤية وتلف أعصاب الساق (neuropathie périphérique) هو أمر شائع بين كبار السن وقد يؤدي لصعوبة الحفاظ على الاتزان)، مشاكل المفاصل والعضلات. (يمكن أن يُسهم ضعف العضلات وهشاشة العظام – نوع من التهاب المفاصل يتضمن تآكل مفاصلك وتمزقها – في فقدان الاتزان عندما يُصيب المفاصل التي تحمل وزن الجسم)، أمراض الجهاز العصبي. (يمكن لعدد من الاضطرابات العصبية أن تؤدي لفقدان الاتزان بشكل متزايد)، مثل Maladie de Parkinson  وataxie cérébelleuse والأدوية. (يمكن لفقدان الاتزان أن يكون أحد الآثار الجانبية لأدوية معينة، مثل الأدوية المضادة للصرع، والمهدّئات والمُسكنات).

توجد أحاسيس أخرى بالدوار مثل الطفو، أو السباحة، أو ثقل الرأس. قد تتضمن الأحاسيس الأخرى بالدُوار والتي يصعب وصفها الشعور “بالطفو” في الفضاء أو الإحساس بوجود دوران داخل الرأس. وقد يُشير الطبيب لهذه الحالة بوصفها دوخة غير محددة. وتتضمن بعض الأسباب ما يلي:

ـ الأدوية. 

قد تتسبب أدوية خفض ضغط الدم في الإصابة بالإغماء إذا ما انخفض ضغط الدم كثيرًا. ويمكن للعديد من الأدوية الأخرى أن تتسبب في شعور غير محدد بالدوخة يزول عند التوقف عن تناول الدواء.

ـ اضطرابات الأذن الداخلية. 

يمكن أن تتسبب بعض اضطرابات الأذن الداخلية في دوخة مستمرة، من نوع غير الدُوار.

ـ اضطرابات القلق. 

بعض اضطرابات القلق، مثل نوبات الهلع والخوف من مغادرة المنزل أو الوجود في أماكن شاسعة مفتوحة (agoraphobie)، يمكن أن تتسبب في الشعور بالدوخة. وفي بعض الأحيان قد يؤدي أحد الأسباب – مثل trouble vestibulaire – لظهور الأعراض، ولكن بعدها يتسبب القلق في استمرار الشعور بالدوخة حتى بعد علاج مشكلة الأذن الداخلية.

ـ انخفاض مستويات الحديد (Anémie). 

تتضمن العلامات والأعراض الأخرى التي قد تحدث مع الدوخة إذا كان الشخص يعاني من فقر الدم الشعور بالتعب، والضعف، وشحوب البشرة.

ـ انخفاض سكر الدم (Hypoglycémie anémie). 

تحدث هذه الحالة عمومًا لدى مرضى السكر ممن يستخدمون الأنسولين. كما قد يُصاحب الدوخة تعَرُّق وشعور بالارتباك.

ـ عدوى الأذن Infection de l’oreille. 

في بعض الأحيان، يمكن أن تتسبب عدوى الأذن في الدوخة. وسيزول هذا النوع من الدوخة عند زوال العدوى.

ـ فرط السخونة والجفاف Surchauffe et déshydratation. 

إذا كان الشخص يعمل في طقس حار، أو إذا لم يشرب ما فيه الكفاية من السوائل، فقد يشعر بالدوخة نتيجة فرط السخونة (ارتفاع درجة حرارة الجسم) أو نتيجة الجفاف. وهذا يحدث بصفة خاصة إذا كان الشخص يتناول أدوية معينة للقلب. وتساعد الراحة في مكان بارد وشرب المياه أو المشروبات الرياضية (جاتوريد، وباوريد، وغيرهم) عادة في تخفيف الشعور بالدوخة.

ـ الدُوار الذاتي المزمن Vertige autonome chronique. 

هذه متلازمة سريرية خاصة تتسم بوجود دوخة مستمرة غير محددة ولا يوجد لها سبب طبي واضح. ويرتبط الدُوار الذاتي المزمن بحساسية الشخص المفرطة لحركته هو نفسه. ويسوء هذا النوع من الدوخة في البيئات البصرية المعقدة (مثل متاجر البقالة)، والحركة البصرية (مثل الأفلام)، والأنماط البصرية، والأعمال البصرية الدقيقة.

 

* عوامل الخطورة للدوخة

ـ الفئة العمرية. يعتبر الأشخاص ممن هم فوق سن 65 عامًا أكثر عرضة لأن تكون لديهم حالات مرضية تتسبب في الدوخة. كما أنهم أكثر عرضة لتناول أدوية قد تتسبب في الدوخة.

ـ تناول أدوية معينة. يمكن لبعض الأدوية، مثل أدوية خفض ضغط الدم، والأدوية المضادة للصرع، والمهدّئات والمُسكنات، أن تتسبب في الدوخة.

ـ سوابق الإصابة بنوبات الدوخة. إذا كنت قد عانيت من الدوخة من قبل، فمن المرجح أن تعاني منها في المستقبل.

 

* مضاعفات الدوخة

يمكن للدوخة أن تزيد من خطر تعرض الشخص للسقوط وجرح نفسه. كما يمكن أن تتسبب إصابته بالدوخة أثناء قيادة السيارة أو تشغيل المعدات الثقيلة في زيادة احتمالية تعرضه للحوادث. أيضًا قد يعاني من تبعات على المدى الطويل إذا كانت لديه حالة صحية تتسبب في شعوره بالدوخة ولم يتم علاجها.

 

* ما يمكن فعله حتى زيارة الطبيب

إذا كان الشخص يميل للشعور بالدُوار عند وقوفه، فعليه أن يأخذ وقته أثناء تغيير لوضعه، ويشرب الكثير من السوائل لتجنب الجفاف، الذي قد يتسبب في الشعور بالدُوار أو يفاقمه. بالإضافة إلى ذلك، إذا كان هذا الشخص قد عانى من الإصابة بنوبات الدوخة أثناء القيادة، فعليه استخدام وسيلة نقل بديلة أثناء انتظاره لزيارة الطبيب، ويطلب من أصدقاءه، أو أفراد عائلته، أو زملائه مساعدته في الذهاب إلى العمل وغيره من الأنشطة والعودة منها، أو يبحث عن بديل مناسب من وسائل النقل العامة. إذا كان شعوره بالدوخة يتسبب في إحساسه بأنه على وشك السقوط، فيأخذ احتياطاته للتقليل من هذا الخطر، وأيضًا يحافظ على إضاءة منزله بشكل جيد ويحاول إخلاءه من الأخطار التي قد تتسبب في تعثره، وتجنب المناطق المفروشة بالسجاد وتلك التي بها أسلاك كهربائية مكشوفة، ووضع الأثاث حيث يُستبعد أن ترتطم به، واستعمال حُصرا ضد الانزلاق على أرضيات الحمام والدُّش.

 

* تشخيص الدوخة

لتحديد سبب الأعراض لدى الشخص، قد يُطلب منه إمالة رأسه للخلف أو الاستلقاء على جانب معين في حجرة الفحص بحيث يتمكن للطبيب من ملاحظته، كما قد يحتاج لإجراء اختبارات إضافية في معمل اختبارات appareil vestibulaire أو الاتزان، وتتضمن:

ـ اختبار حركة العين Test de mouvement des yeux. 

يقوم الطبيب بمتابعة مسار العينين أثناء تتبع لجسم متحرك. أيضًا قد يُجرى للشخص ما يُسمى بـEssai de chaleur، والذي يتم فيه ملاحظة حركة العينين أثناء تقطير ماء بارد ودافئ في قناة الأذن في أوقات مختلفة.

ـ اختبار تخطيط وضعية الجسم Test de diagramme de posture. 

هذا الاختبار يبين للطبيب أي جزء من جهاز الاتزان يعتمد عليه بالقدر الأكبر وما هي الأجزاء التي ربما تتسبب في المشاكل. وفي هذا الاختبار تقوم بالوقوف بقدميك عاريتين على منصة وتحاول الحفاظ على اتزانك تحت ظروف مختلفة.

ـ اختبار الكرسي الدوّار Essai de chaise pivotante. 

خلال هذا الاختبار، يجلس الشخص على كرسي يتم التحكم فيه بواسطة الكمبيوتر ويتحرك ببطء شديد في دائرة كاملة. بينما في السرعات الأعلى، يتحرك ذهابًا وإيابًا في قوس صغيرة للغاية. وفي بعض الحالات، قد يحتاج الشخص لإجراء تصوير بالرنين المغناطيسي (IRM). وتستخدم هذه التقنية الحقل المغناطيسي وموجات الراديو لأخذ صور مقطعية للرأس والجسم. ويمكن للطبيب استخدام هذه الصور التفصيلية الواضحة لتحديد وتشخيص مجموعة واسعة من الأمراض. كما يمكن إجراء التصوير بالرنين المغناطيسي لاستبعاد ورم العصب السمعي – وهو ورم دماغي غير سرطاني يصيب nerf homéostatique، الذي يحمل الصوت من الأذن الداخلية إلى المخ – أو غيره من اضطرابات المخ التي قد تتسبب في الدُوار. وحتى لو لم يتم التوصل إلى السبب أو استمر الشعور بالدوخة، فإن العقاقير الطبية والعلاجات الأخرى قد تمكن من السيطرة على الأعراض الموجودة.

 

* علاج الدوخة

يستند الطبيب في علاج الدوخة على سببها والأعراض الموجودة وهو وحده المخول له اقتراح الأدوية والعلاجات المناسبة للحالة.

 

التعليقات مغلقة.