أولاد سيدي احماد أو موسىٰ: مُجاهدون مُلتزمون أم لاهون لاعبون؟ 

بقلم الأستاذ حسن الرحيبي

هي ظاهرة مغربية خاصة ومحصورة في أتباع ومريدي الولي الصالح “سيدي احماد بن موسى”، دفين “تازروالت” بإقليم تيزنيت ببلاد سوس.،والذي عاش في هاته المنطقة ما بين سنة 1450 و 1564 ميلادية، والذي تربطه المصادر بالتصوف والزهد ودراسته على يد الشيخ “عبد الله الغزواني” مول لقصور، دفين مراكش، المتوفى سنة 1529، أي أنه عاش في العصر الوطّاسي، وبداية العصر السعدي، وهو من الرجال السبعة، كما صنفه ورتبه “الحسن اليوسي” وزير “مولاي اسماعيل”، يعتقد مؤرخوه مثل “المختار السوسي” أنه ساح لمدة ثلاثين سنة، زار خلالها الحج، أي مكة والمدينة، كما زار بغداد خصيصاً للوقوف أمام ضريح الصوفي الشهير بالمغرب “مولاي عبد القادر الجّيلالي” (الجيلاني في الشرق).

أمّا ربط أتباعه حركاتهم الرياضية البهلوانية المستمرّة حتى اليوم كفرجة في الساحات مثل جامع لفنا بمراكش، أو ساحة لهديم بمكناس، وأيضاً بكل أسواق ومواسم المغرب مما يثير الدهشة والإعجاب فهناك اتّجاهان:

 

 – اتجاه فرجوي:

يرى أن من بين أشكال التربية الصوفية التي انتهجها “سيدي احماد أو موسى”، الذي يربط البعض نسبه ب “علي ابن أبي طالب”، كدأب المتصوفة الأدارسة جميعاً … الاهتمام بالرياضة وتربية الجسم على المرونة والخفّة واللّياقة البدنية لأسباب تعبّدية فقط، لأنه كان يحب اللّعب والّلهو مما جعل زهده متميّزاً بهذه الظاهرة الفُرجوية التي يقوم بها أطفال منذ نعومة أظافرهم لاستيقائهم البَرَكة من جدهم الذي كان يمارس هذا النوع من الحركات البهلوانية acrobatiques المدهشة التي أوصلت بعضهم لمهرجانات السيرك العالمية أو لأمريكا…

أما الاتّجاه الثاني فيربط حركتهم بالجهاد بالثّغور ضدّ البرتغاليين:

أي مع احتلال أگادير أو “كاب گير cap guir”، من طرف البرتغاليين في بداية القرن السّادس عشر، مما جعله يتزعم حركة الجهاد بتدريب أتباعه “ses disciples” على اللّياقة والخفّة واكتساب أجسام مرنة كما هو الشأن في الثقافة البوذية التي تنتهج فنون القتال للدفاع عن النفس والبلاد أيضاً.

لكن بعد انتهاء أسباب الجهاد وتحرير أگادير من طرف السّعديين والمجاهدين… اتخذت طريقتهم نهج الفرجة وإثارة إعجاب المتفرّجين في المناسبات والأسواق مثلهم في ذلك مثل حركة “عبيدات الرّما”، الذين كانوا في الأصل رُماةً في الجيش، أو مجرد منشّطين فرجويين يتميزون بالغناء والتمثيل المسرحي، وخفّة الرّوح لرفع معنويات الجنود …لتستمرّ هذه الفرق في جانبها الفني المتميز فقط!

وقد عشنا منذ الطفولة باندهاش شديد ما كان يحكيه الأهل عند عودتهم من السّوق عما تقوم به فرقة “أولاد سيدي احمادا موسى”، كما كنا نسميهم من “شقلبات” في الهواء، يدورون خلالها عدة مرات قبل أن يسقطوا على الأرض بشجاعة نادرة ورباطة جأش وطول نفَس … ولباسهم الحريري الموحّد بالّلونين الأخضر والأحمر، وبناء أهرامات شاهقة بأجسادهم تنبني على شخص واحد في القاعدة لتنتهي في عنان السماء بطفل صغير كما يفعل الصينيون . وربما هناك صلة تاريخية ما بشرق آسيا بمظهرهم وممارساتهم الرياضية وتربيتهم الصارمة ودقّتهم في التنفيذ والإنجاز والامتثال لتوجيهات قائدهم ومدرّبهم . وموسيقاهم المتميزة القريبة من موسيقى الصين..

 

كما لا زلت أذكر في بداية السبعينات ثلاثة أطفال صغار يقودهم أخوهم الأكبر يلعبون بأسواق دكالة، وموسم البحيرات، يتعاطف الناس معهم كثيراً لفقدهم أبيهم كما كان يقال آنذاك. كما كانوا في بداية إتقانهم للعبة .. لكن مع مرور الوقت تبيّن بأن ذلك الشاب المراهق الجميل جداً والقوي هو في حقيقة الأمر فتاة سوسية فائقة الجمال والأنوثة تحاول إخفاء مظهرها الأنثوي وجمالها لتبدو خشنة وبعضلات مفتولة …، كي تستمر في إعالة أسرتها بشرف وعزّة نفس … بعيداً وبمنأى عن فضول المعجبين وعيون المتطفّلين بارتداء لباس شيئاً ما فضفاض يخفي مفاتن الجسم وتعرجاته وتضاريسه الطبيعية ، فتبدو كشاب رياضي قوي.

لكن خانته بوادر لحية وشارب جنينيين أي في بداية نشأتهما الرّجولية .. كما ظلّ الصوت بنبرة نسائية أنثوية ساحرة لا يمكنها تغييرها أو التدخل في مجراها الهورموني الطبيعي الغريزي “instinctif” …، مما جعلها عرضةً للغمز والّلمز والهمس ..، بل كان بعض الفضوليين يمنحون بعض القروش للأطفال ويهمسون في آذانهم سائلين عن جنس أخيهم، هل هو ذكر أم أنثى؟ دون الحصول عن شيء ليظلّوا في حيرة من أمرهم ودون أن يظفروا منهم بشيء، إلى أن اختفوا جميعاً من مسرح الفُرجة حوالي سنة 1974 ولم أعد أعثر لهم على أثر.

التعليقات مغلقة.