التضييق على وسائل الإعلام الروسية من عمالقة التكنولوجيا أية رسائل في أي فضاء حر وسط تهاو القيم وذبح الشعوب باسم الإنسانية

محمد حميمداني

 

 

أصبح العالم قرية نباح وسعار لمختلف النفعيات الفردية والمؤسساتية وقتل الإنسان باسم الإنسانية، وذبح الحريات باسم الحرية، هي صور عالم اليوم حيث المآسي أصبحت مشاهد هوليوذية تشعل بفتيل المصالح لتذبح الأبرياء وسط سعار المصالح وبكاء القنوات المنتفخة بصناعة الأحداث الكونية التي تدوس على الإنسان كما القيم بأسماء منفوخ فيها ولا أصل لحقيقتها في الأرض سوى أن الجميع يشارك في جريمة ذبح الشعب الأوكراني وأن المحرك لدى أطراف الحكم تكمن في قيمة المصالح البراغماتية، لا قيمة الإنسان الذي يبقى في أسفل اهتمامات هاته المؤسسات والسلط حتى الأممية منها التي تتعامل مع الوقائع بوجهين.

 

أتذكر قبيل البدء بتفصيل الأحداث قرار الفيفا منع حمل كل أشكال التضامن مع الشعب الفلسطيني خلال الملتقيات الدولية أثناء الإجرام الصهيوني ضد غزة و شعبها البطل، مع التهديد بأقسى العقوبات في وجه المخالفين، لكن اليوم ومع الألم الذي يعصرنا والإدانة التي نوجهها للغة الحرب التي اشتعلت في أوكرانيا والتي تودي بحياة الأبرياء الذي يشكلون وقود الحرب، فقد لوحظ وعلى طول الملاعب العالمية صور ومشاهد للمأساة الأوكرانية ولم تحرك الفيفا ساكنا كما فعلت في المأساة الفلسطينية، وهو ما يعكس ازدواجية المواقف المرتبطة بالدفاع عن مصالح الغرب و “إسرائيل”، ومنا ذون ذلك هشيم لا يستحق الرحمة .

 

مسؤولية الغرب في إشعال الفتن والضحك على السشعوب وضحاياها

 

الغرب الذي لم يتردد إبان الحرب العالمية الثانية في ضرب “هيروشيما” و”ناكازاكي” اليابانيتين بالقنابل النووية، مذمرا البشر والحجر والشجر، لا مكان له للحديث عن الدفاع عن قيم الحرية التي يقتلها ليل نهار وبالجرم المشهود، ولا زالت فلسطين شاهدة على عمق المأساة/الجرح/المؤامرة الكونية؛ كما أن العالم لا زال أمام سطوة الكذب الرسمي من أجل تحقيق مصالح ضيقة على حساب القيم الأخلاقية و الإنسانية، والتي ذهبت بأرواح الآلاف من الضحايا الأبرياء،؛ كيف يمكن للعالم أن ينسى كذب المؤسسات الرسمية الأمريكية و البريطانية و الغربية عموما على الشعوب، وأولها شعوبها من أجل ضرب العراق وليبيا وبنما وفنزويلا… ولائحة الإجرام الغربي واسعة وأفدحها فيثنام …

 

اللعبة قذرة ومكشوفة وأبطالها معروفون يبيعون “القرد و يضحكون على من اشتراه”، هكذا هي القيم الأخلاقية والإنسانية في عالم علاقات دولية جهزت كل الأسلحة للحفاظ على قطبيتها الواحدة من منطلق “لا صديق دائم ولكن هناك مصالح دائمة”، وفي باب المصلحة يحق القتل والفتك وتعطيل كل القوانين والحريات خدمة لحق يشكل منبع نفط وموارد وأسواق وإشعال فتن وحروب وخلق الإرهاب وصناعته هوليوديا من قبل الاستخبارات العالمية لتحطيم الكيانات من الداخل لتسهيل اختراقها واحتلالها، وباسم محابة الإرهاب المخلوق أمريكيا وغربيا، هكذا أصبح المنطق الكوني في باب الحريات يدار إذن.

 

الحرب الروسية والغرب و إيقاف بث قناة إعلامية ومنع وكالة أنباء شكل من أشكال قتل الحريات ودعم عمالقة المشهد الرأسمالي الإعلامي وخلق فضاء أحادي لتسويق النشرات المخدومة لخدمة المصالح.

    

في مضمار الحرب واشتعالها وأمام تراجع الغرب عن دعم أوكرانيا وعدم الوفاء بالوعود التي قطعتها على نفسها اتجاه الرآسة الأوكرانية، إذ تنصلت الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتن المتحدة الأمريكية منها مباشرة بعد اندلاع الحرب، وتم الاكتفاء بفرض العقوبات وترك الشعب الأوكراني لقدره ورحمة الروس، لم يجد الغرب من مهمة من الممكن أن يؤديها سوى إخراس أصوات الإعلام المناقض المعري لحقائق حضور هذا الغرب في الصراع.

 

لا أحد من أحرار العالم يمكن أن يفهم سبب منع الاتحاد الأوروبي لقنوات إعلامية من أداء مهامها

 

واقع عرى زيف الخطابات الرسمية التي تتغنى بالحرية المشبعة على أرض الواقع بمساحيق الزيف والخداع المؤسساتي الرسمي الذي يذكرنا ببكاء التماسيح حين مراقبتها لوجود ضحايا، فإعلان مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والخارجية، جوزيب بوريل، أن وزراء خارجية دول الاتحاد وافقوا على حظر قناة RT ووكالة “سبوتنيك” الروسيتين في دول الاتحاد، وهو الموقف الذي اجتهدت فيه ودعمته رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين” كانت قد أعلنت اليوم الأحد حظر الاتحاد الأوروبي  هاتين الوسيلتين الإعلاميتين، معتبرة وفق توصيفها أن هذا سيمكن مما أسمته “حظر الذراع الإعلامي للكرملين RT، و”سبوتنيك” التابعتين للدولة الروسية في الاتحاد الأوروبي”.

 

ولعل رد رئيسة شبكة روسيا اليوم، مارغريتا سيمونيان، كان إعلاميا بامتياز ووجه صفعة لدعاة حماة الحريات والحقوق، حيث قالت أن حظر هاتين الوسيلتين الإعلاميتين في الاتحاد الأوروبي لن يؤثر على نشاطهما، حيث اعتادتا على العمل في ظروف التضييق من “دعاة الحرية”، مؤكدة “نحن نعلم كيف ننجز عملنا في ظروف الحظر. لقد كان هؤلاء (الغرب) المحبون للحرية يجهزوننا لذلك طيلة ثماني سنوات”.

 

نفس المنحى سارت عليه منصات التواصل الاجتماعي والتي بررت فعلها هذا بتحول تلك القناتين إلى مصدر لروايات كاذبة في بعض الأحيان، وفق رأيها، لأنها تتيح متابعة فعلية لصراع يمثل أكبر أزمة جيوسياسية في القارة الأوروبية، حيث تحول الصراع إلى صراع من أجل السيادة التي تشعر أمريكا أنها بدأت تفقدها مع تحول الصين إلى قوة عظمى والتقارب الصيني الروسي الذي يزعج الغرب، وتوظيف هذا الأخير لكل الأدوات من أجل محاصرة هذا المد اعتمادا على أدوات قوة الغرب المالكة للمعلومة، والمصدرة والموجهة للرأي العام العالمي من خلال الوكالات الأربع الأشرس في مجال توجيه الرأي العام العالمي. 

 

وإذا أضفنا إلى ذلك تأكيد شركة (ألفا بيت) المالكة لمحرك البحث العملاق “غوغل” أنها منعت وسائل إعلام روسية تمولها الدولة من الظهور في محرك بحث الأخبار بسبب الحرب في أوكرانيا، نفس المنحى نحته شركة “أبل” التي أعلنت تعليق بيع جميع منتجاتها في متجرها الرسمي على الإنترنت في روسيا، وهو الموقف ذاته الذي اتخذته  شركة (ميتا) -وهي الشركة الأم لفيسبوك- والتي قالت إنها ستقيد الوصول في الاتحاد الأوربي إلى قناة (آر تي) ووكالة (سبوتنيك).

 

روسيا وسط الحرب والقيود فهل ستصمد

 

الروس واعون بقوة الحصار المفروض عليهم، لكنهم في الوقت ذاته مقتنعون بأن المعركة بالنسبة إليهم هي معركة وجود، لأن موسكو لن تسمح بوجود أعداء على حدودها، و”بوتين”، حينما اتخذ القرار باجتياح أوكرانيا كان واع بتفاصيل الردود الغربية ومهيأ لأبعد من ذلك وهو ما فهم من تحريك الأسلحة الاستراتيجية واختبارها وإعدادها للاستعمال من خلال المناورات أو الوضع في حالة استعداد قتالي دفاعيا وهجوميا، الأمر الذي يعكس أن الصراع بالنسبة للروس لا يمكن بأي حال من الأحوال لموسكو أن تخسره، لأن معنى ذلك خسارة استراتيجية مؤلمة لروسيا الوجود، وهو ما يعكس وحدة الصف الداخلي الذي نجح “بوتين” في تكريسه وتحقيقه، وهو مصدر قوته أكثر من أي شيء آخر. 

 

الرئيس الأوكراني المنبطح للقرارات الغربية، والمتذمر في نفس الوقت من هشاشة الدعم المقدم، والذي لا يمكن بأي حال من الأجوال أن يضمن صمودا أطول في ظل هجمات روسية بأسلحة جد متطورة ، وتضييق الخناق على العاصمة “كييف”، وسقوط معاقل قوية استراتيجية بيد القوات الروسية وحلفائها.

 

الوقائع الخفية في ملف الصراع 

 

إن إسكات صوت الإعلام هو الخلاصة المنطقية للنوايا المعبر عنها عمليا بقوة الأمر المقضي، لأنه في بلاد تدعي الحرية وحماية الحريات وتجهز الجيوش وتحارب دولا من أجل إقرارها، كما تدعي، إلا أنها على الأرض سقطت في امتحان ضمان وتعزيز حرية الإعلام، من خلال قمع هاته الحريات عبر منع وسائل إعلامية لا تملك سلاحا سوى الصورة والصوت والكلمة من ابث وممارسة مهامها.

 

ما العمل لإيقاف نزيق خنق الحريات العامة حتى في الدول الغربية والتي ابتدأت مع كورونا

 

إن المطلوب شعبيا، أي أن  الإرادة الشعبية على الصعيد الكوني مطالبة أكثر من أي وقت مضى مجابهة هاته السياسات التي بدأت مسيرة إجرام كوني لحنق الحريات الأساسية منذ معركة “كوفيد 19” والتي أخرجت مظاهرات رافضة لهذا التنقييد، والذي يتعزز اليوم بتقييد الحريات الإعلامية بدعاوى لا ترقى للقبول، لأن المطلوب هو دعم المؤسسات الشفافة والخاضعة للمساءلة، والتي تعتبر حرية الإعلام جزء لا يتجزأ من الحق الأساسي لحرية التعبير، التي سلَّم بها القرار 59 للجمعية العامة للأمم المتحدة، المعتمد في عام 1946، فضلا عن المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، التي تنص على أن الحق الأساسي لحرية التعبير يشمل الحرية في “استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية”.

 

إن هاته الحقوق الأساسية أقبرت في مضمار السباق والصراع من أجل ضمان المصالح المباشرة، والتي تغلف بقشور من الكذب على الإنسانية باسم الإنسانية التي تقتل اقتصاديا واجتماعيبا وحتى في مضمار الحريات الأساسية التي قتلت مع “كوفيد 19” وأقبرت الآن من خلال ضرب طوق من القمع الفكري لكل الآراء المعارضة، وسيادة منطق الإزدواجية في العلاقات الدولية، والتي تتطلب وعيا وتصديا من المؤسات غير  الحكومية على جبهتي رفض الحرب ضد أوكرانيا ورفض قتل الحريات باسم دعم الإنسانية المقتولة رسميا مع سبق الإصرار والترصد.

التعليقات مغلقة.