دور التنوع الثقافي في ترسيخ قيم الحداثة والديمقراطية

إعداد: عبد الواحد بلقصري
باحث في مركز الدكتوراه بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل

أضحى موضوع التنوع الثقافي يحظى بأهمية بالغة في عالمنا المعولم والمتنوع نظرا لعدة اعتبارات.

الاعتبار الأول: هو طغيان ثقافات عالمية متنوعة استطاعت أن تؤثر على الثقافات المحلية، مما أثر بشكل سلبي على هاته الأخيرة، وأصبحت أقل اندماجية مما كانت عليه، وذلك بالنظر إلى سهولة العمليات التواصلية، التي أحدثها مجتمع المعلوميات، حيث أننا أصبحنا أمام وسائل تعبئة متعددة (الانترنيت… الأنظمة الرقمية للاتصال التلفزيوني).

الاعتبار الثاني: هو ظهور أطروحات جديدة استطاعت اختراق العالم ثقافيا، وأقصد أطروحة أمركة العالم، حيث نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحكم في أزي د من  65٪ من مستعملي الأنترنيت على المستوى العالمي، عبر تقنياتها المتطورة الاستخباراتية… واللوجستيكية… وهاته الهيمنة الثقافية أثرت على مجموعة من الأقليات وثقافتهم وهوياتهم.

مما سبق يمكن القول أن هذين الاعتبارين ساهما في بروز إشكالية التنوع الثقافي إلى الواجهة، باعتبار أهميتها الكبرى في بناء الدولة الديمقراطية الحداثية، حيث أن التنوع الثقافي هو حصيلة حريات الناس والخيارات التي يتخذونها، وقمع الهويات الثقافية هو الذي يؤدي حتما إلى  ازياد النزاعات والاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي على  أساس الثقافة، وهما اللذان يوقدان شرارة العنف والتوترات.

وقد ساهم التنوع الثقافي في تقدم العديد من البلدان اقتصاديا وسياسيا عبر سياسات متعددة الثقافات، وعبر احترامها لثقافة الأقليات وخياراتهم، وقد أكد المفكر “صامويل هنتغتون” في كتابه قضايا ثقافية، وهو كتاب ألفه إلى جانب “لورنس هارسون”، على أنه في أوائل سبعينات القرن العشرين (20) وقعت على بيانات اقتصادية لكل من غانا وكوريا الجنوبية، وذهلت عند ما رأيت أوجه التشابه بعد ثلاثين عاما أصبحت كوريا الجنوبية عملاقا صناعيا يحتل المرتبة 14 على مستوى العالم، بينما لم تبلغ هذا الأمر غانا، هذا الاختلاف سببه بالدرجة الأولى أن الكوريين يقدرون التنظيم وحسن التدبير والانضباط.

صحيح أن الديمقراطية والتنمية وتماسك الدولة أمور جوهرية، لكن الدولة التي لا تهتم بخلق سياسات متعددة الثقافات لا تكرس ثقافة الاختلاف، والتي تعتبر جوهر الديمقراطية المعاصرة.

وقد عملت الحضارة الغربية التي بفضل نضالات مثقفيها ومفكريها، استطاعت أن تجعل من حقوق الإنسان وقيم الحداثة والديمقراطية، سلوكا يوميا يوفر للفرد والجماعة الدفاع عن مؤسسات وترتيبات اجتماعية معينة تعملان على إنجاحها.

وإذا أخذنا ميدان حقوق الإنسان نجد أن التنوع الثقافي من المواضيع التي حظي بها هذا الميدان وأصبح ينظر إليه كحق من حقوق الإنسان.

إن المجتمع الديمقراطي الحداثي لا يمكن تحقيقه بدون إعطاء الفرصة للجميع لدراسة وإنجاز اختياراتهم الكبرى والمتنوعة، وبواسطة ثقافة المشاركة هاته، يمكن تحقيق الاندماج الوطني والوحدة الوطنية التي لا يمكن تحقيقها إلا بخلق سياسات متعددة الثقافات تكون مدخلا أساسيا لبناء الدولة الديمقراطية الحداثية التي بواسطتها يمكن تحقيق النفع العام لجميع المكونات المجتمعية على اختلاف تلاوين هوياتها وثقافاتها، وقد ساهم التنوع الثقافي في تقدم العديد من البلدان اقتصاديا وسياسيا عبر سياسات متعددة الثقافات، وعبر احترامها لثقافة الأقليات وخياراتهم.

التعليقات مغلقة.