“الرايس الحاج محمد بن ءيحيى ؤتزناخت”…حياته..شعره..اسلوبه…آراء النقاد في شعره

الحسن أعبا

يعتبر “الرايس والشاعر الحاج محمد بن ءيحيى ؤتزناخت” من بين فطاحل الشعراء الأمازيغ آنذاك، فقد استطاع أن يؤسس لنفسه مدرسة متميزة عن باقي الشعراء الأمازيغ.

وقبل أن نتطرق إلى نبذة عن حياة هذا الشاعر الأسمر
الأمازيغي لا بد لنا أن نتحدث اولا وقبل كل شيء عن مفهوم الشعر عند أمازيغ الجنوب الشرقي، وعند أمازيغ الجنوب بصفة عامة .. فما هو الشعر..؟ ثم ما هي الأصناف والألوان الشعرية السائدة في المنطقة قبل ظهور الشاعر، أو الرايس الحاج محمد بن ءيحيا ؤتزناخت؟ تم كيف تأثر الشاعر “محمد بن ءيحيى ؤتزناخت” بموسم الوالي “سيدي محمند ؤدريس” وأثر كل ذلك على نفسية الشاعر؟ أو بعبارة أخرى
كيف استفاد الشاعر من شعر “اسايس” الذي يكون كل سنة بزاوية “سيدي محند ؤدريس”، أي ما هو الدور الذي لعبه هذا الموسم في صقل موهبة هذا الشاعر الكبير .. رغم أن الكثير من الباحثين الذين كتبوا عن الشاعر تجاهلوا
دور هذا الموسم الذي يجمع كبار شعراء فن “اسايس” بنواحي عمالة إقليم “ورزازات” آنداك، وكيف تأثر المرحوم الشاعر “محمد بن ءيحيى ؤتزناخت” بتلك الأشعار التي تقال كل سنة اثناء موسم “تاگنگوت”..؟، ثم سنتطرق أيضا كيف انطلق الشاعر من نقطة الصفر الى الشهرة الفنية.

كل هذه الاسئلة سنجيب عنها عبر حلقات متتابعة ابتداء من نبدة مختصرة عن حياته، ثم شعره، فأسلوبه وآراء النقاد والباحثين في شعره، وآراء الاشخاص الذين عاصروه، ثم الخاتمة.

نبدة مختصرة عن حياة الشاعر
Yan imik f tudrt n umdyaz rrays mupmmad bn ipya utznaxt

هو الحاج “محمد بن ءيحيى ؤتزناخت”، أو “بوي ءيگضاض”، كما تطلق عليه بعض قبائل “سوس” نسبة الى قصيدته المشهورة الرائعة “ءيگضاض”، أو “ايلالن”،  والمقصود بها قصيدة “الطيور”، إننا كما يقول عنه الاستاد الجامعي الذي
نال عليه شهادة الإجازة الاستاذ “محمد الخطابي”، لا نعرف من تاريخ ولادته شيئا، لكن إذا عدنا الى قصائده المشهورة، أي تلك القصيدة التي يمدح فيها “ابن هيبة”، والمقصود بهذه الشخصية هو “احمد الهيبة”، المقاوم المشهور في الجنوب المغربي الذي قاوم الاستعمار الفرنسي من 1912 الى 1936، أي نهاية المقاومة المسلحة التي قاومت الاستعمار، حيث انتقل المغرب من المقاومة بالسلاح الى الميدان السياسي؛ هذا التاريخ هو الذي يبين لنا حسب الاستاذ بأن الشاعر، أو الرايس الحاج محمد بن ءيحيى ؤتزناخت، كبير وطاعن في السن.

ونفس الشيء أكده الاستاذ الباحث والكاتب الأمازيغي “الصافي مومن علي” عندما كان قاضيا بورزازات سنة 1963 حيث قال بأنه قد وجد شاعرنا، أو الرايس محمد بن ءيحيى ؤتزناخت، أنه كان في تلك السنة هرما، أي طاعنا في
السن، حيث وجده ب”تاصوماعت” بمدينة “ورزازات”، واستطاع الاستاذ “الصافي مومن علي” أن يجمع عنده ما تيسر من الأشعار، والتي لم يسبق للشاعر، او الرايس محمد بن ءيحيى ؤتزناخت، أن سجلها وهي باقية في مقر البحث والتبادل الثقافي إلى اليوم.

نعم لقد ولد الشاعر، او الرايس، بقرية “تاگنگوت” بقبيلة “آيت ضوشن وسلسات” بتازناخت، ولقب لنفسه “ؤتزناخت” وهذا أمر مهم، إذ لولا هذا الشاعر، ولولا “زربية تازناخت” لما أصبحت “تازناخت” مشهورة .

قلت لقد ولد هذا الشاعر ب”تاگنگوت” بقبيلة “آيت ضوشن” بتازناخت، ودخل الكتاب شأنه في ذلك شأن “روايس”، أو
الشعراء الآخرون، قرأ ما تيسر من القرآن ودخل الى “فن اسايس”، وأقصد به “احواش”، لكن الشاعر سوف لن يكتفي بذلك، حيث استطاع أن يتصل بأستاذه الذي علمه فن القيتارة والرباب الامازيغي، وهو شخص استقر بقرية
“الوگوم” بقبيلة “ؤحميدي” التابعة ل”فم زكيت” باقليم “طاطا” حاليا، وهو “عبد الله بن الفاطمي گ ؤلوگوم”، الذي علمه الغناء، الرباب والقيتارة، ومكت معه حتى تعلم، لكنهما تخاصما فيما بينهما بسبب أن الشاعر لاحظ في أستاذه بأنه
يغشه في تلك المستحقات المادية التي يجمعونها في القبائل. وهكذا افترق الشاعر، او الرايس الحاج محمد بن ءيحيى ؤتزناخت، عن أستاذه، ومن ثم استطاع أن يكون لنفسه مدرسة متميزة على غرار باقي المدارس المعروفة آنذاك ك”مدرسة الحاج بلعيد” وأبو بكر انشاد” و”جانطي” وغيرهم من الشعراء الامازيغ الفطاحل الكبار الذين تركو بصماتهم وذكرياتهم يتحدث عنها التاريخ بمداد من الإعجاب والتقدير.

حادثة مراكش، او معركة مراكش، وبحضور باشا مراكش “التهامي الگلاوي” “Anoibar n mrrakc”

مباشرة بعد ان افترق مع أستاذه “بن الفاطمي عبد الله گ ؤلوگوم” استطاع شاعرنا أن يكون لنفسه مدرسة تعد من أعظم المدارس الموسيقية الأمازيغية آنذاك ب”آيت  واوزگيت”، وهكذا أصبحت لدى الشاعر شهرة واسعة من تخوم مراكش الى وادي درعة، ووصلت شهرته إلى التهامي الگلاوي” باشا مراكش الذي أرسل في طلبه، لأن هذا
الأخير كان يشجع الشعراء الأمازيغ آنذاك ولم يكن في قصره الا الفطاحل من الشعراء، أو الروايس الامازيغ، ك”الحاج بلعيد” و”ابو بكر انشاد” و”جانطي” وغيرهم من الشعراء الكبار.

قلت لما وصلت شهرة هذا الشاعر الباشا الگلاوي أرسل في طلبه بعد أن وجه له دعوة من أجل الحضور إلى القصر، وفعلا استجاب له “الرايس” ووصل الى القصر حيث استقبله الباشا بكل فخر واعتزاز، بعد أن اشترط عليه الباشا شرطا قاسيا وطلب منه ان يختار احدى الاثنين، إما ان يغلب عشرة من الشعراء استحضرهم الباشا من أجله، فإذا انتصر
عليهم فسوف يقدم له جائزة كبيرة، وهي جائزة ثمينة جدا، حيث سيقدم له أربع ريالات من النوع الفضي، او مايسمى ..بالحسني.. وكيس من السكر.. وهي جائزة ثمينة جدا في ذلك العصر، ومن نالها فسوف يصبح غنيا لا محالة، لكن بالمقابل إذا انهزم فسيكون مصير شاعرنا السجن ولا شيء غير السجن، فاختار الشاعر، او الرايس محمد بن ءيحيى ؤتزناخت، المبارزة بالشعر، وبالأمازيغية “انعيبار”، أي المخاصمة بالشعر.

وفعلا انتصر عليهم شاعرنا انتصارا ساحقا فتعجب منه الحاضرون ومن ثم قدم إليه الباشا “الگلاوي” جائزته، وهكذا انتقل شاعرنا من الفقر الى الغنى، حسب ما كتب عنه الباحثون، لكن كل ذلك سوف لن يمر على الشاعر مرور الكرام، بل لما خرج شاعرنا من القصر مباشرة هدد من طرف أولائك الشعراء الذين انتصر عليهم في القصر، وأمروه أن يترك مراكش الى الأبد .

وامام هذا التهديد خاف شاعرنا وترك “مراكش” ونزل إلى “..ءيزيون..باولوز” ومن ثم التقى فجأة مع الرايس
وصديقه “الحاج بلعيد” في ذلك المكان، وقاما بحفلات رائعة أعجبت الحاضرين.

ما هو الشعر او كيف يرى الشاعر او الرايس محمد بن ءيحيى..الشعر..او امارگ.

قبل ان نتطرق الى الشعر واغراضه عند الشاعر او الرايس “الحاج محمد بن ءيحيى ؤتزناخت” نتساءل أولا عن ما هو الشعر؟ وكيف تصور الشاعر الشعر؟ وبعبارة أخرى كيف يرى الشعر؟ او كيف يتصوره؟ وبالأحرى ما هو تعريف الشاعر محمد بن ءيحيى ؤتزناخت للشعر؟ ثم ما هي الاغراض الشعرية التي تناولها الشاعر، او الرايس الحاج محمد بن ءيحيى ؤتزناخت؟

الشّعر هو كلامٌ يعتمدُ على استخدامِ موسيقا خاصّةٍ به يُطلقُ عليها مُسمّى الموسيقا الشعريّة، كما يُعرفُ الشّعرُ بأنّه نوعٌ من أنواع الكلام يعتمدُ على وزنٍ دقيقٍ، ويُقصدُ فيه فكرةٌ عامّة لوصفِ وتوضيح الفكرة الرّئيسة الخاصّة بالقصيدة؛ ومن التّعريفات الأُخرى للشّعر هو الكلماتُ التي تحملُ معانٍ لغويّة تؤثّرُ على الإنسان عند قراءته، أو سماعه، وأيُّ كلامٍ لا يحتوي على وزنٍ شعريّ لا يُصنّفُ ضمن الشّعر.

يتكوّنُ الشعرُ من خمسة عناصر، وهي:

العاطفة: هي الشّعورُ الذي يضيفهُ الشّاعرُ إلى القصيدةِ الشعريّة، مثل: الفرح، والحُزن، والحُب، والغضب، وغيرها من المشاعر الأُخرى، والتي تساهمُ في توضيح هدف الشّاعر من كتابة القصيدة.

الفكرة: هي العملُ الفكريّ الذي يعتمدُ على أفكارِ الشّاعر، ويستخدمها لبناء نص القصيدة بناءً عليها، وعادةً يعتمدُ الشّعراءُ على فكرةٍ رئيسة واحدة ترتبطُ بالأفكار الأُخرى ضمن أبيات القصيدة الشعريّة.

الخيال: هو كل شيءٍ لا يرتبطُ بالواقع، ويستعينُ به الشّاعر من أجل صياغةِ أبيات قصيدته، ويرتبطُ الخيالُ أيضاً بالصّور الفنيّة الشعريّة، والتي تُساهم في إضافةِ طابعٍ مُميّزٍ للقصيدة.

الأسلوب: هو طريقةُ الشّاعر في كتابةِ القصيدة، وهو الذي يميزُ الشّعراء عن بعضهم بعضاً في الكتابة الشعريّة؛ إذ لكل شاعرٍ أسلوبٌ خاصٌ فيه يساهمُ في جعلِ قصائده مُميّزة.

النَّظم: هو الأسلوبُ الذي يُستخدمه الشّعراء في الجمعِ بين
الألفاظ الشعريّة، والمعاني المقصودة في نصّ القصيدة؛ إذ كلّما تُمكّن الشّاعرُ من نظمِ قصيدته بطريقةٍ صحيحة، كلّما كانت القصيدةُ أكثر بلاغة.

لقد حاول الأستاذ “احمد عصيد” في احدى مشورات “جمعية البحث والتبادل
الثقافي” “تاسكلا تامازيغت، المدخل لدراسة الادب الامازيغي لسنة 1992″، حيث طرح فيه الاستاذ سؤالا مهما وهو كيف ينزل الشعر على الشاعر؟ أو بعبارة اخرى كيف ياتي الوحي الشعري على الشاعر؟ هل الشعر موهبة فطرية في الانسان؟ ولماذا لم يكن جميع الناس شعراء بالفطرة.

وفي هدا الصدد قسم الاستاد “احمد عصيد” الشعراء الامازيغ الى ثلاثة أصناف:

الطائفة الاولى من الشعراء ترى بان الشعر هو موهبة يعطيه الله لمن يشاء من الناس دون سواهم.

الطائفة الثانية ترى العكس من ذلك وتؤكد بان الشعر مدرسة لا بد لك من استاد لتكون شاعرا.

الطائفة الثالثة ترى العكس من ذلك كله فهي طائفة تؤمن بالوساطة بين عالمنا وعالم آخر ميتافيزيقي، اي لكي تكون شاعرا في نظرها لابد من “ولي صالح”، ولا بد لك من دبيحة، ولا بد أيضا من عنصر النية حتى تكون شاعرا.

إذا هناك ثلاث آراء، فكل شاعر يدافع عن رأيه حول مفهوم الشعر، لكن السؤال كيف نصنف “الرايس” والشاعر “الحاج محمد بن ءيحيى” من هؤلاء؟ أو ما هو التيار الذي ينتمي إليه شاعرنا؟ أو بتعبير آخر، ما هو الشعر عند شاعرنا الرايس محمد بن ءيحيا ؤتزناخت؟

نعم يمكن لنا ان نجيب على هذه الاسئلة وغيرها انطلاقا من شعر الشاعر نفسه، فما هو إذا الشعر في تصور الرايس الحاج محمد بن ءيحيا ؤتزناخت؟

عندما نتفحص أشعار الرايس الحاج محمد بن ءيحيى ؤتزناخت يظهر لنا ذلك التعريف الذي اعطاه الشاعر للشعر. فمثلا عندما ناخد قصيدته.

اباسم الله ادا سيغ يات تالوحت
اگيس زرغ ماي گيس ءينا شيخ ءينو
ءيزد ءيموريگ نتان كاف نسيح
ءيغد لهم اد لكمغ تاوري نوي

إذا هنا الشاعر يتماشى مع تلك الطائفة التي تؤمن بالتعليم، اي لكي تكون شاعرا لا بد لك من الاستاذ، إذا واضح جدا كيف ادلى الشاعر لنا بهذه القصيدة المشهورة التي أخدنا منها هذا الجانب، اي الجانب التعليمي.

فالشعر في المفهوم الشعبي الامازيغي هو ..امارگ.. وهذه الكلمة لها معنيان اثنان .. المقصود بامارگ في سوس وفي الجنوب الشرقي من المغرب، هو الشعر والغناء والموسيقى وحتى الرقص، لكن في المعنى الاخر، هو الشوق والحب والغرام كان تقول مثلا.. ءينغات ؤمارگ اي اللوعة والحب او .. گيگي امارگ نس.. اي انا متشوق اليه.. إذا كيف تصور شاعرنا “الحاج محمد بن ءيحيى” امارگ… في إحدى
القصائد الشعرية للرايس صور لنا الشاعر الشعر
كالمنشار الدي يقطع في اجسادنا شيئا فشيئا حيث قال

امارگ ايمعيدي ماك فلي ياغن
اليغ افلي تادرت ءيلمنشار نك

كما اعتبر ايضا الشعر او امارگ كفرس رشيق وسريع وهذا الفرس السريع لا بد له من فارس حادق متمرس، وإن لم يكن متمرسا فلا يحق له أن يركب على ظهر هذا
الفرس.

الشاعر او الرايس الحاج محمد بن ءييى ؤتزناخت اعطى إذن تعاريف متعدد للشعر كما جاء في شعره.

شعر الشاعر الحاج محمد بن ءيحيا ؤتزناخت والاغراض الشعرية التي تناولها الشاعر.

لقد ترك لنا الرايس او الشاعر الحاج محمد بن ءيحيى ؤتزناخت كما كبيرا من الاشعار، ولكن حسب رأي الاستاذ الجامعي بجامعة ابن زهر باكادير والدي نال عنه الاجازة انداك في بداية التمانينات من القرن الماضي، فقد أكد أن
الشاعر ترك إرثا كبيرا من الشعر، لكن للاسف الشديد فأغلب هذا الشعر ضاع، لأنه لم يوثق على الرغم من أن “الرايس الحاج محمد بن ءيحيى” لم يقم بتسجيل
الا القليل من أشعاره الخالدة في بعض الاسطوانات .. كوطوبيافون.. وغيرها من الشركات التي سجلت له، لأن الشاعر في الحقيقة لم يقم بتسجيل أشعاره مبكرا كباقي “الروايس” الذين عاصروا الشاعر منهم “الحاج بلعيد” و”ابو بكر انشاد” و”بودراع” وغيرهم من الشعراء الفطاحل الذين عاصروا الشاعر الكبير. الذي وافته المنية سنة 1988.

أجل لقد ترك الشاعر شعرا غزيرا كما قال عنه المرحوم وقيدوم الامازيغيين الاستاد “ابراهيم اخياط”، رحمه الله،
الذي شبهه ب ..اسيف ءيغ ءينگي.. اي كالوادي إذا هاج.. ولقد تطرق الشاعر الى جميع الاغراض في شعره..لكن قبل أن نتطرق إلى هذه الاغراض كلها، ما هو
الغرض الشعري…. يمكنُ القول إنَّ الغرض في اللغة هو الهدف، أو هو الغاية من الشيء، ومن هنا جاء مفهوم الغرض الشعري في الشعر الامازيغي، وجدير بالقول إنَّ الشعر هو عمل عقلي يحتاج إلى كثير من التفكير والهدوء
وليس محض تخيلات أو أحلام، ولذلك فإنَّه لا بدَّ من وجود مواضيع معينة كُتبت القصائد الشعرية لأجلها، ومن هنا جاء اسم الغرض الشعري، فالغرض الشعري هو الموضوع الذي تتناوله القصيدة.

اختلفت الأغراض الشعرية في الشعر الامازيغي وتنوّعت وفقًا للمواقف التي كانت تحصل، ووفقًا لطبيعة البيئة المحيطة بالشاعر، ووفقًا للظروف التي كان يتعرَّض إليها الشاعر في حياته، ومن أهمّ أغراض الشعر عند الشاعر، أو الرايس الحاج محمد بن ءيحيى
ؤتزناخت، هناك:

الهجاء: قال المرحوم وقيدوم الحركة الامازيغية “ابراهيم اخياط” عن الشاعر: إذا كان الحاج “بلعيد” هو رايس ن روايس..فان محمد بن ءيحيى ؤتزناخت هو شيطان الشعراء، ومعنى ذلك أنه إذا كان الحاج بلعيد يميل كثيرا الى المدح
في قصائده..فإن “محمد بن ءيحيى” يميل أكثر من غيره إلى الهجاء، وهذا ما يظهر لنا في الكثير من قصائده التي سنتطرق اليها فيما بعد، كما تطرق في قصائده الى المدح.. والمدح هو التغني بخصال شخص معين ويظهر لنا ذلك في قصيدته المشهورة التي مدح فيها الشاعر المقاوم الباسل “احمد الهيبة”، كما مدح ملوك المغرب الى غير ذلك؛ كما تناول الشاعر فنا آخر من الفنون الشعرية كالرثاء، وخاصة تلك القصيدة المشهورة التي يرثي فيها الشاعر ابنه الذي مات، وأخذ يبكي عليه حتى فقد بصره، كما تطرق شاعرنا الى الغزل وأشهر القصائد .. “ءيفرخان نايت ؤمارگ” التي كتب عنها العديد من الباحثين بل صنفوها كالدراما
الامازيغية لانها تستوفي جميع الشروط الدرامية؛ دون أن نسى ان الشاعر تحدث عن الوصف، حيث وصف الحج كما وصف الطائرة الى غير ذلك.

ماذا أضاف “الرايس محمد بن ءيحيى ؤتزناخت” لشعر “تيرويسا”..

لقد اضاف الرايس او الشاعر الحاج “محمد بن ءيحيى ؤتزناخت” لشعر “روايس”، إضافة جديدة لا بد أن نشير إليها، فهو أول شاعر، او رايس.. ادخل الى فن “تيرويسا، ما يسمى بالشعر التمثيلي، أو الشعر المسرحي، وهناك من يطلق على هذا النوع بالتمثيلية الشعرية، او العكس، وهو فن من الفنون الشعرية، وقد تبعه في ذلك فيما بعد، كالرايس الحاج “عمر واهروش”، ومن القصائد المشهورة التي تبين لنا ذلك قصيدة “ءيفرخان نايت ؤمارگ” التي سنتطرق اليها في بعد، هذه القصيدة هي التي تدخل في إطار ما يسمى بالشعر المسرحي، اي انه شعر وفي
نفس الوقت مسرحية او دراما، فما هو إذا الشعر المسرحي او التمثيلي؟

الشعر في الأساس كلامٌ يعتمد في بنائِه على الوَزن والقافيةِ، وعادة ما يستخدم الشعراءُ الوزنَ في نظم الكلمات ضمن النمط الذي يتَّبع قواعد الوزن الشعري، وينقسمُ الشعرُ إلى ثلاثة أنواع: الشعر الغنائي، تكون فيه القصيدةُ الغنائيَّة قصيرة وتشبهُ الأغاني، وفيها يتمُّ التركيز على
أفكارِ الكاتب ومشاعره، ويمكن النظر لهذه القصائد إمَّا من ناحية موضوعها أو شكلها، والشعر الملحمي، هو الشعر الذي يروي قصَّة أو أحداث بطوليَّة طويلة عن بطل ما، وقد تحتوي على أساطير باعتبارها قصةً شعرية طويلة،
والشعر الدرامي أو الشعر المسرحي، وفيه يروي الكاتب قصة من خلال حوار شعري يدور بين أبطال المسرحية، وفي هذا المقال سيتم الحديث عن الشعر المسرحي وأبرز خصائصه؛ فالشعر المسرحي هو لونٌ من ألوان الفنون الأدبية ظهرَ في العصر الحديث، ولم يكن معروفًا في الأدب العربي قديمًا، ويُطلق عليه في بعض الأحيان المسرح الشعري أو الدراما الشعرية أو المسرحية الشعرية أو الشعر الدرامي، وهو الفنُّ الذي يعتمد على الشعر العمودي أو
غير العمودي في كتابة المسرحية، والتي تمثِّل مشهًدا متحرِّكًا يستطيع الكاتب من خلاله أن يوصلَ أفكاره ومغزى قصَّته للنَّاس من خلال أفعال وتحركات أبطال المسرحية على مرأى الجمهور، وبمعنى آخر يمكنُ القول: إنَّ المسرحية الشعرية هي كتابةُ مسرحية تمَّ إعداد نصوصها وفقَ المواصفات والضوابط الشعرية، وتستندُ إلى القصيدة المقفَّاة أو غير المقفَّاة كأساس لبناء النصِّ المسرحي.

أمَّا الشعر الملحمي فهو عبارة عن كتابة قصة شعرية طويلةٍ وغالبًا ما تكون حكاية بطولية تتحدَّث عن تاريخ شعبٍ من الشعوب أو أمَّة من الأمم أو بطل من الأبطال في مرحلة تاريخية ما، وقد تحتوي على أساطير لكنَّها تختلف عن الأسطورة ومن الأمثلة على الملاحم الشعرية ملحمةُ الأوديسة لهوميروس، وملحمةُ كوميديا الجحيم لدانتي. يُكتَبُ الشعر المسرحي كحوارٍ بين عدَّة أشخاص لتتمَّ مشاهدته من خلال المسرحيَّات التي تُعرَض على خشبة المسرح، ولذلك كان للشعر المسرحي أو للمسرحيَّة الشعرية خصائصُ المَسرحية نفسها، حيثُ تعتمد المسرحية على عدَّة خصائص حتى تكون جاهزة للعرض على الجمهور،
منها: التمهيد أو المقدمة: يعرضُ فيها الشاعرُ الشخصيات وموضوع المسرحية، ومكان الأحداث وذلك عن طريق الحوار. العقدة: وهي العنصر الأساسيُّ في بناء الحبكة الفنِّية، وفيها يحدث اشتباكٌ الأحداث ووقائع المسرحيَّة والتحوُّلات التي تثيرُ في المشاهدين القلقَ والفضول لمعرفة الحلِّ.
الحلُّ: وهو الخاتمة التي تنطوي على النتيجة التي وصلت إليها أحداث المسرحية. تنقسمُ المسرحيَّة الشعرية كما تنقسم المسرحية النثرية إلى فصول ومشاهد، فالفصول هي المراحل الرئيسة للمسرحية، أمَّا المشاهد فهي
أجزاء الفصل، وتتميَّزُ المسرحية الشعرية عن المسرحية النثرية بعددٍ من الخصائص أهمُّها: [٢] تتّسم لغةُ الحوار في المسرحية الشعرية لغةً إيقاعية؛ لأنَّ التفعيلة الشعرية تحكم مسار اللغة. الحالةُ الشعورية تكونُ مكثَّفة.

تدفعُ اللغةُ في المسرحية الشعرية الأحداثَ إلى الأمام
بالقدر الذي يكثِّفُ فيه الحدث اللغة الشعرية، وبما أنَّ الشعرَ لونٌ من ألوَان الأدب قائمٌ على الرمز والغُموض، فإنَّه يعزِّزُ سيطرةِ الإيحاءِ على المسرحيَّة؛ وتكون القدرةُ على تصوير اللامَحسوسِ واللامَرئيِّ أكبرفي المسرحيَّة الشعرية من خلال الصورةِ الشعريَّة والأسطورَةِ التي تكون أقرب إلى الشعر من النثر.

ملاحظةلإإن قصيدة “ؤيفرخان نايت ؤمارگ” يمكن اعتبارها دراما امازيغية، لأن جميع الشروط متوفرة في هذه القصيدة الرائعة التي سنعود اليها فيما بعد؛ يتبع في حلقة أخرى بعض اشعار الشاعر او الرايس “الحاج محمد بن ءيحيى
ؤتزناخت”.

التعليقات مغلقة.