هل الشهادة معيار للاقتراع؟

رضوان البقالي

شكلت الديمقراطية عند الفيلسوف والمحلل السياسي السويسري “جان جاك روسو”، مركز اهتماماته السياسية من داخل منظومة مواقفه الثورية والتي تنعث بالمتطرفة عند البعض؛ حيث تجسدت بشكل دقيق في مسار الثورة الفرنسية وفي تطوير مفهوم الاشتراكية ونمو الحس القومي؛ حيث قال في عباراته الشهيرة “إن رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب؛ بل في وعي الناس”.

 

 

 

وانطلاقا من مقولة “جان جاك روسو”، وارتباطا بأن العملية الإنتخابية تعد من إحدى المداخل الأساسية للديمقراطية وأحد الركائز الهامة لبناء مجتمع حداثي متقدم تحفظ فيه كرامة المواطنين/ات كما يحفظ البيض في مكان قليل الرطوبة بتواز مع درجة حرارة معتدلة؛ وتكمن أهمية الانتخابات في الاقتراع كحق كوني لجميع الناس وتعبير سام يدل على السيادة الشعبية ويطبع الشكل العام لكل مجتمع ديمقراطي، مع التجسيد الفعلي للمساواة بين المواطنين كما هي معرفة في الدساتير والقوانين الديمقراطية؛ ولا تتحقق شرعية سياسية أي نظام ديمقراطي إلا إذا كان مصدرها الاقتراع، وليكون هذا الأخير “الإقتراع” عاما ومباشرا لا بد أن يكون لكل المواطنين الحق في التصويت وفي الترشح باعتبارهم حقوق طبيعية لكل المواطنين دون استثناء من غير قيد أو شرط، مع أن ذلك طبعا يخضع لمقتضيات قانونية محددة، فالحقوق الانتخابية تكون أحيانا محددة بالسن، أو الأهلية المدنية، أو سلامة الذمة من أي متابعة قضائية.

 

 

ففي البلدان التي تحترم نفسها يمنع التصويت والترشح على المتهربين من الضرائب، كما يسقط الحق في التصويت والترشح أحيانا لأسباب جنائية مفضية إلى تجريد صاحبها من حقوقه المدنية، كما أن سلامة الذمة المالية تعد شرطا أساسيا للترشح خصوصا في البلدان الديمقراطية؛ التي استلهمت التصويت من مؤلفات الفلاسفة والمفكرين “جان جاك روسو؛ مونتيسيكيو؛ فولتير….”، وليس من التجارب اللصوصية، كما هو الشأن في المغرب؛ حيث كان لظهور التصويت أول مرة في فرنسا بعد الثورة عام 1789، إذ أقرته الجمعية التأسيسية في أعمالها، وتم تأكيده في دستور 1793، و في كل عملية انتخابية يكثر الحديث عن الكفاءة على نطاق واسع وتكثر التحليلات والتنظيرات … دون الوصول إلى نتائج تشكل مرجعا يرجى منه خلق التوازن السياسي ورسم مسار سياسي ببعد ديمقراطي.

 

 

 

ففي أوروبا مثلا، وخلال القرنين 18 و19 تم ربط الحق في التصويت بالمستوى الفكري للشخص، وقيمة الضرائب التي يدفعها، والفئة المهنية التي ينتمي إليها والعديد من الأمور الأخرى ؛ مما جعل الحق في الاقتراع مقتصرا على الأطباء والموثقين وضباط الجيش وغيرهم من “أنتلجنسيا” المجتمع، وفي بعض الولايات بجنوب الولايات المتحدة كان الناس إلى غاية 1965 يختبرون في القانون العام للدولة، وفي مواد الدستور لمعرفة قدرتهم على تفسيرها، وبناء على ذلك تتحدد أهلية التصويت من عدمه لكل ممتحن، وفي أميركا اللاتينية و إلى عهد قريب كان الحق في الاقتراع يقتصر فقط على المواطينن المتعلمين.

 

 

ومع تنامي الوعي بضرورة تعميم الاقتراع العام المباشر، عملت بعض القوى الحية في المجتمعات الأوروبية على الالتفاف على المطالب الشعبية بإقرار التصويت المتعدد، إذ يكون للناخب الحق في التصويت عدة مرات في اقتراع واحد بناء على مستواه المعرفي والشهادات الأكاديمية المحصل عليها؛ لكن في بلدنا الحبيب التصويت هو حق للجميع من دون استثناء حتى الموتى لم ينجوا من التصويت لفئة الأعيان واللصوص من الأحياء؛ وببساطة دون الغوص في مدى مصداقية المترشح وكفاءته العلمية والاكاديمية…

 

ـ إذا كان للمترشح القدرة على التأثير في قاعدة عريضة من الناخبين وجعلهم يؤيدونه ويصوتون لصالحه فهو ممثلهم وزعيمهم…
• في حالة كان فاسدا فهو زعيم الفاسدين…
• في حالة كان صالحا واستطاع التأثير في الجماهير الغفيرة من الشعب فهو بدون شك زعيم للصالحين…

 

 

فالكفاءة لا تعني دائما الحصول على شواهد عليا؛ فالكثير ممن في مراكز القرار بحوزتهم شواهد عليا لكن بدون كفاءة تذكر؛ وتوجد فئة من أصحاب الكفاءات لاتحمل شواهد؛ لا شك فيه أن الكفاءة قبل كل شيء هي القدرة على التدبير وامتلاك آليات فكرية وسياسية وتواصلية تراكمت بفضل الخبرات والتجارب المتكررة والمتنوعة التي تمكن من أداء المهمة بٱثقان وتفان؛ والشخص الكفؤ هو القادر على أداء عمله بٱثقان دون عودته إلى تفضيل مصلحته الخاصة على مصلحة العامة من الناس؛ والتدبير قبل كل شيء هو تسخير موارد قليلة بغاية تحقيق أهداف عظيمة باستعمال لغة تواصلية فعالة وأسلوب تفاوضي مقنع وجذاب.

إن نجاح كل عملية مجتمعية رهين بالممارسة السياسية السليمة وبأداء الأدوار المنوطة بها اقتصاديا واجتماعيا…؛ ولا ننسى أن مهمة السياسي هي التدبير المعقلن؛ لأنه هو الشخص الذي توضع تحت تصرفه موارد الدولة “ثروات طبيعية، موارد الشعب، طاقات بشرية والكثير من الوسائل اللوجيستيكية”؛ فهو مطالب بحسن التصرف فيها وتوجيهها بكيفية منظمة وبمنهجية دقيقة بهذف تحقيق إنجاز جيد يليق بالوطن وبمتطلبات المواطنين؛ وفي حالة غابت الكفاءة فمن المحتمل أن تسود الفوضى ويسود العبث بمصير أبناء وبنات الشعب والتلاعب بالمال العام وإغراق البلاد بالديون الخارجية وصولا إلى حالة الذروة، “الاحتقان الاجتماعي”؛ لذلك فإن الحل الأفضل هو الجمع بين المعرفة والخبرة؛ لكن مع الغياب شبه التام للكفاءة ولأخلاقيات الممارسة السياسية، فالأجذر أن يرتبط الترشح باجتياز مباراة ذات طابع إقصائي كما كان في الولايات المتحدة؛ حيث يختبر فيها المترشح عن مدى إلمامه بمواد الدستور وارتباطاته مع الشأن العام “اقتصاديا؛ سياسيا واجتماعيا …”، ويتم اختباره في وضعيات مختلفة مما يخول للجنة التصحيح ملاحظة مذى قدرته على إيجاد الحلول الناجعة لمثل هكذا وضعيات.

 

 

وفي السياق نفسه نخشى أن تتحول لجنة المراقبة والتصحيح بدورها إلى لجنة تمارس نوع آخر من التضليل والتلاعب بنتائج الفرز وهذا ماسيحصل حتما لأن البلاد تخلت عن أساس التغيير وأغلقت بابه الأمامي “التربية والتعليم” واتجهت نحو الباب الخلفي “التطبيع مع الفساد والمفسدين”، فمن الطبيعي أن يستمر الوضع على حاله وتستمر نفس التحديات ويبقى لسؤال “هل الشهادة معيار للاقتراع؟” راهينيته إلى أن ينعم الله على البلاد والعباد بنعمة المطر “ما تفسده السياسة يصلحه المطر”.

التعليقات مغلقة.