التدخين وCovid-19

إعداد د. مبارك أجروض

شكلّت جائحة Covid-19 تحديات علمية، وهناك فرضيات كثيرة بدأت تتوالى تباعاً، بعضها سقط مع الوقت وبعضها أثبت مدى صحته وتأثيره، ومن بين هذه النظريات عاد التدخين إلى الواجهة بعد صدور أكثر من دراسة تكشف علاقته بمرض Covid-19 وحتى نسبة الوفاة.

 

 

 

وهكذا، منذ ظهر Nouveau virus corona SARS-Cov-2 المسبب لمرض Covid-19 وانتشر حول العالم، ظهرت العديد من التساؤلات حول المجموعات المعرضة لخطر أكبر للإصابة بحالات شديدة من المرض أو احتمالات أكبر للوفاة، ومع انتشار المرض وإصابته الآلاف ثم الملايين، أظهرت الأبحاث المنشورة من مناطق مختلفة حول العالم وجود العديد من العوامل التي ترتبط بحدة المرض، وعلى رأسها ارتفاع السن، الذكورة والإصابة بالأمراض المزمنة (التي يقع على رأسها ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري).

 

 

 

لكن بعض الأسئلة الخاصة بهذا الأمر ظلت تمثل لغزاً دون إجابة محددة، ومن بين هذه الأسئلة برز التساؤل الخاص بارتباط التدخين بحدة المرض، خاصة وأن الأدلة التي ظهرت من الأبحاث السابقة كانت متعارضة، فالعديد من الدراسات التي أجريت في بداية الجائحة أظهرت أن التدخين كان مرتبطا بانخفاض احتمالات الإصابة بمرض Covid-19 بالمقارنة بعامة الناس.

 

 

 

دراسات سابقة عن العلاقة بين Covid-19 والتدخين

 

 

 

إحدى هذه الدراسات التي أجريت على عدد كبير من الأشخاص في المملكة المتحدة، أظهرت أن التدخين ارتبط باحتمالات أقل للوفاة من المرض، وليس هذا فحسب، فهذه النتائج الأولية جعلت البعض يعتقد أن بعض مكونات السجائر قد تلعب دوراً في الوقاية من المرض، حيث تم استخدام النيكوتين في تجارب سريرية اعتقادا من بعض الباحثين بأنه قد يلعب دوراً في منع اختراق  Nouveau virus corona SARS-Cov-2 الخلايا، وبالتالي منع حدوث المرض.

 

 

في المقابل، ارتبط التدخين في دراسات أخرى بأعراض أكثر حدة وفشل تنفسي أو خطر أكبر للوفاة، وهذه الدراسات المختلفة شابها العديد من أوجه القصور، فأغلبها تم نشره في بداية فترة الجائحة كما ذكرنا، وبالإضافة إلى ذلك، فمعظم هذه الدراسات جرت على مرضى محجوزين بالفعل في المستشفيات أو في مناطق لا تجرى فيها اختبارات المرض بشكل موسع، وهو ما أثر على النتائج التي توصل إليها الباحثون.

 

 

 

دراسة حديثة حول العلاقة بين Covid-19 والتدخين

 

 

 

النتائج المتناقضة والمحيرة الخاصة بهذا الأمر دفعت الباحثين في جامعة أكسفورد لدراسة العلاقة بين التدخين ومرض Covid-19، من أجل الوصول إلى نتائج أكثر دقة يمكن استخدامها في إيصال رسائل واضحة ومحددة للعامة حول هذا الأمر، وباستخدام البيانات المتاحة من البنك الحيوي الخاص بالمملكة المتحدة، قام الباحثون بدراسة العلاقة بين التدخين من جهة، والإصابة بـNouveau virus corona SARS-Cov-2 والحجز في المستشفيات أو الوفيات نتيجة هذه الإصابة من جهة أخرى. 

 

 

يعد البنك الحيوي الخاص بالمملكة المتحدة واحداً من أضخم قواعد البيانات التي تحتوي على البيانات الصحية لمئات الآلاف من المواطنين، فخلال الأعوام من 2006 إلى 2010، جمع هذا البنك عينات من أكثر من 500 ألف شخص جرت دراسة الجينوم وجمع البيانات الصحية الخاصة بهم، وبعدها جرت متابعة عدد كبير من هؤلاء الأشخاص خلال 4 إلى 5 سنوات، كما جرت إعادة تقييم وضعهم الصحي.

 

 

ولقد اعتمدت الدراسة الحالية على بيانات المشاركين في هذا البنك الحيوي، الذين كانوا مقيمين في إنكلترا وعلى قيد الحياة في بداية عام 2020 (مع ظهور الجائحة وتوفر وسائل تشخيصها).

 

 

شملت الدراسة بشكل مبدئي أكثر من 400 ألف شخص، ثم استبعد عدد منهم طبقا للعديد من المعايير التي تم اختيارها من قبل الباحثين.

 

 

ـ مميزات الدراسة الجديدة

 

 

تميزت هذه الدراسة عن سابقاتها بكونها تستخدم تحليل البيانات الصحية العامة للمشاركين مع تحليل الجينات الخاصة بهم، حيث جرى استخدام تقنية تسمى Aléatoire mendélienne de la liaison génique التي تجعل الأشخاص أكثر قابلية للتدخين أو التدخين بشراهة مع نتائج الإصابة بمرض Covid-19.

 

 

ـ عينة الدراسة

 

 

قسّم الباحثون علاقة الأفراد بالتدخين بعدة طرق، في البداية قسموهم إلى ثلاثة مجموعات مكونة من الذين لم يدخنوا قط، المدخنون السابقون والمدخنون الحاليون.

 

بعدها قسموا المدخنين الحاليين حسب عدد السجائر التي يتناولونها يوميا إلى مدخن خفيف (أقل من 10 سجائر)، ومدخن متوسط (10-19 سيجارة) ومدخن شره (20 سيجارة أو أكثر).

 

 

كما قاموا بجمع البيانات الخاصة بالسن والجنس والعرق ومؤشر كثلة الجسم الخاص بالسمنة لأفراد عينة الدراسة.

 

 

بعدها قارنوا التدخين بمعدلات الإصابة بمرض Covid-19 والحجز بالمستشفيات أو الوفيات الناتجة عنه.

 

 

ـ نتائج الدراسة

 

 

أظهرت النتائج التي نشرت في مجلة الصدر Thorax أن حوالي 0.4% من أفراد العينة قاموا بعمل التحليل الخاص بالكشف عن الفيروس، نصف هذا العدد تقريبا احتاج إلى الحجز في المستشفى، بما في ذلك الحجز في الرعاية المركزة؛ وقرابة 0.1% من أفراد العينة توفوا نتيجة الإصابة بمرض Covid-19، على الرغم من أن بعض الذين توفوا لم يتم حجزهم في أي مستشفى.

 

 

 

وفيما يتعلق بالتدخين، كان قرابة 60% من غير المدخنين،  37% كانوا مدخنين ثم توقفوا عن هذه العادة فيما بلغت نسبة المدخنين الحاليين 3% من أفراد العينة.

 

 

 

العلاقة بين التدخين و Covid-19

 

 

فيما يتعلق بسؤال الدراسة، أظهرت النتائج بوضوح أن التدخين يؤدي إلى زيادة كبيرة في معدلات الحجز في المستشفيات بعد الإصابة بمرض Covid-19، حيث كان المدخنون الحاليون أكثر عرضة بنسبة 80% لدخول المستشفى، وأكثر عرضة للوفاة بسبب المرض من هؤلاء الذين لم يدخنوا قط.

 

 

نتائج التحاليل الجينية أظهرت أن الجينات المرتبطة باستعداد أكبر للتدخين ارتبطت بزيادة احتمالات العدوى بنسبة 45% وزيادة احتمالات الحجز في المستشفى نتيجة مرض Covid-19 بنسبة 60%.

 

 

أما فيما يتعلق بهؤلاء الذين يدخنون بشراهة، فقد كان الوضع أسوأ في القابلية الجينية للتدخين الشره التي ارتبطت بضعفي احتمالات العدوى، زيادة خطر الحجز في المستشفى خمسة أضعاف في حين زاد خطر الوفاة من المرض بنسبة تصل إلى عشرة أضعاف.

 

 

من خلال هذه النتائج مجتمعة، توصل الباحثون إلى أن التدخين يرتبط بخطر الإصابة بصورة شديدة بالمرض، وأنه كما ثبت أنه يؤدي ويرتبط بأمراض القلب والعديد من أنواع السرطان، يبدو أن الأمر ذاته ينطبق على مرض Covid-19.

 

 

لذا، يبدو أن هناك سببا صحيا آخر يدعو الناس للإقلاع عن التدخين. وعليهم بالضرورة التوقف الآن عن التدخين، والمحافظة على صحتهم وصحة المحيطين بهم من قائمة الأمراض القاتلة التي يتسبب فيها التدخين، والتي يبدو أنها تطول ولا تقصر أبدا.

التعليقات مغلقة.