أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

“الرياضة ورهان التنمية المستدامة، أبعاد قانونية واقتصادية واجتماعية ودبلوماسية”

مراد  علوي       ـ    MOURAD ALLIOUI

 

لا يخفى على أحد بأن المجال الرياضي يحظى بعناية مولوية سامية تتجسد على أرض الواقع من خلال حرص ملكي على النهوض بهذا القطاع الواعد وتتبع الاستراتيجيات الحكومية المبرمجة بشأنه، كما يحرص جلالته على بسط رعايته على مختلف التظاهرات وتتبع إنجاز مختلف المنشأت والتجهيزات التي تساهم في جعل هذا القطاع أحد أهم روافد التنمية ببلادنا، لا سيما وأن المغرب يعتبر خزانا للمواهب التي سطع نجمها على الصعيد العالمي وحققت منجزات تاريخية وأرقاما قياسية لا زالت تخلد لتميزه في مختلف الرياضات. 

 

وفي هذا السياق تعد الرسالة الملكية الموجهة إلى أشغال المناظرة الوطنية حول الرياضة لعام 2008، محطة أساسية في إقرار القانون رقم 30-09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، وقد جسد هذا المنعطف القانوني نقلة نوعية لتموقع المجال الرياضي في السياسات العمومية في أفق تجاوز الإختلالات البنيوية التي وصفها القانون المذكور بكونها عائق لمسلسل تعزيز الديمقراطية والتنمية الإجتماعية والبشرية، الأمر الذي استدعى ملاءمة الإطارات الموجودة لما تقتضيه العولمة وجعل الرياضة عملا للريادة وإشعاع المغرب على المستوى العالمي. 

ويظهر حجم الأهمية التي يحتلها هذا الورش التنموي من خلال مجموعة من المظاهر، خاصة منها عدد الجامعات المغربية وعدد المنخرطين بهذه الجامعات الرياضية، علما بأن أغلبهم ينتمون للفئات الشابة والنشيطة، وكذلك على مستوى انخراط المغرب في الميثاق الدولي للرياضة باعتباره العضو النشيط في المنظمات الدولية.

وبالفعل انعكست هذه المؤشرات من خلال قيام المغرب بدسترة هذا المجال الذي أضحى يساهم في تحقيق انتصارات دبلوماسية “رياضة” تقوي موقعه بالمنظمات والمؤسسات سواء كانت قارية أو دولية، بما يخدم إشعاع المملكة المغربية وإزدهار بنياتها التحتية الرياضية والسياحية.

 

الأكيد أن الأوراش المفتوحة التي شهدت انخراط الجامعة المغربية عبر إنشائها لمدارس متخصصة في المهن الرياضة سيشكل محطة مهمة في الارتقاء بالرياضة الوطنية إلى مستوى الاحترافية من مختلف الجوانب سواء المتعلقة بالتجهيزات أو التسيير والتدبير والتمويل أو على مستوى العلاقات التعاقدية والشراكات وفض النزاعات وغيرها من مظاهر تأهيل المجال الرياضي؛ وذلك أخذا بعين الاعتبار التوجه البارز لدى المشرع إلى تبني نمط الشركات في تدبير وتسير المجال الرياضي وإخضاعه لأكثر النماذج تطورا والمتمثل في شركات المساهمة وذلك في سبيل بلوغ حكامة هذه الاليات التدبيرية.

هذا وقد أصبحت اليوم الرياضة من بين المجالات الحياتية التي استطعت أن تواكب وتتفاعل بطريقة إيجابية مع تقلبات وتغيرات العصر الحالي، فبالإضافة إلى كونها ممارسة جسمانية متأصلة في عمق التاريخ، فهي أيضا تعد ظاهرة سوسيو اقتصادية وثقافية مكنت في وقت وجيز من لفت الانتباه إلا أن تتحول إلى مادة دسمة يسيل لها لعاب رجال المال والأعمال بمختلف أقسامه، وتتجلى مظاهر وتجليات الطفرة النوعية التي عرفتها الممارسة الرياضية في التحول النوعي ليس فقط في النظرة المتشكلة حولها سابقا كمجرد لهو ولعب ومضيعة للوقت والمال في نظر بعض المتعصبين، بل بتبوؤها تدريجيا لمكانة متميزة في منظومة المجتمع عامة.

 

لا شك أن هذا السياق الاقتصادي لهيكلة منظومة الرياضة ببلادنا لم يغيب باقي المحددات المركزية الأخرى والتي تساهم في استيعاب خصوصية المجال الرياضي، فبالإضافة إلى العلوم الاقتصادية والقانونية نجد أن علم الأجتماع وعلم النفس شريكا يساهمان بدورهما في دراسة ظاهرة الرياضية وما يرتبط بها من حركية واستقطاب ونشاط اقتصادي يساهم في ازدهار دول بأسرها، بل إن ميزانيات بعض الأندية الوطنية تظاهي ميزانيات بعض الدول سائرة في النمو أو تتجاوزها أحيانا. 

والحديث عن الجامعة المغربية، كفضاء أكاديمي، وهي تتطلع بأدوار الانتقال من مرحلة “الرياضي بالصدفة” إلى مرحلة “الرياضي المحترف؛ فإنها تضع نصب أعينها ضرورة توفير مناخ رياضي يساهم في تحقيق هذا الأمل المنشود و لا سيما الاحترافية في التدبير والتسيير والعقود الرياضية وفض المنازعات والتحكيم الرياضي والشركات الرياضي والتسويق الرياضي”، وذلك على اعتبار أن المجال الرياضي يعد إحدى الدعائم الأساسية في بلورة النموذج التنموي الجديد، مما يستدعي وضع مقاربة شمولية تستحضر فيها جميع المتدخلين، سواء الدولة أو المؤسسات العمومية أو مؤسسة المنتخبة، أي الجماعات الترابية والجامعات الرياضية، وكذا مسيري القطاع العام والخاص والأكاديميين، في سبيل تقديم تصورات وبلورة اقتراحات تجسد الإلتقائية في تقييم أوجه الخلل وبناء نظرة مندمجة لوضع استراتيجيات تنموية متجانسة ومتكاملة. 

والله ولي التوفيق  

نبذة مختصرة حول الكاتب: 

مراد  علوي       ـ    MOURAD ALLIOUI 

  • طالب باحث في العلوم السياسية و القانون الدستوري  ـ برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية “أكدال”، جامعة محمد الخامس، بالرباط.

  • رئيس نادي أطلس أولماس للبادمنتون (التنس الريشة).

 

التعليقات مغلقة.