الفضاء العام بالمغرب.. بين تنظيم القانون وغياب الرقيب
بقلم: سيداتي بيدا
أصوات من الرباط
في مدننا الكبرى، لا تقتصر مشكلات الفوضى على تراكم المخلفات أو ضعف البنية التحتية، بل تتعداه إلى ظاهرة غريبة تتعلق بتصرفات من المفترض أن يكونوا جزءًا من منظومة الحفاظ على النظام، وهم واضحون في لباسهم وبيان وظيفتهم: السترات الصفراء. لكنها، عند كثير من المنتفعين، أصبحت رمزا للفوضى وللابتزاز اليومي، وصفة لممارسة خارج القانون، وغموض يحيط بمسؤولياتهم وترخيصهم.
في مختلف أنحاء الدار البيضاء، يقف رجل يرتدي سترة صفراء، دون أن يحمل بطاقة مهنية، أو يتوفر على أي ترخيص رسمي، ويستقبل المارة والمركبات بسلام وهمي وابتسامة خادعة، قبل أن ينتهج أسلوب التهديد أو الابتزاز. يطلب منك دفع مبلغ معين مقابل “الخدمة”، وعند الرفض، تتعرض لأضرار مادية أو معنوية، كإحداث خدوش أو ثقوب في السيارات، وغيرها من الممارسات غير القانونية.
قصص التحرش والابتزاز كثيرة، وأبطالها من يرتدون السترات الصفراء، الذين أضحوا يمثلون إحدى الظواهر الاجتماعية المقلقة، مسنودين غالبًا بسيادة الصمت وضعف المراقبة الرسمية. المواطن، أمام غياب أية حماية فعلية، يُجبر على دفع الضرائب والرسوم، لكن عند أول خلاف، يصبح وحده في مواجهة ممارسات تفتقر للشرعية، والعدالة، والنظام.
هل القانون غير موجود؟ بالطبع لا، فمرجعية النصوص القانونية واضحة تمامًا:
الفصل 71 من الدستور يؤكد أن الرسوم والضرائب تُفرض بنص قانوني صادر عن البرلمان.
قوانين الجماعات الترابية تنظم عمل خدمات الحراسة، وينص القانون على ضرورة الترخيص المسبق لممارسة هذه المهن، ويحدد ضوابط واضحة لعمل الحراس.
دفاتر التحملات الجماعية تؤكد أن أي ممارسة مهنية غير مرخصة تعتبر انتحالًا لصفة غير قانوني، وتُعاقب عليه المادة 380 من القانون الجنائي المغربي.
ومع ذلك، تبقى الوقائع على الأرض محط استهزاء، حيث تظل عملية ضبط الممارسين غير المرخصين شبه مقصورة على بيانات صحف أو تصريحات رسمية، فتظل الظاهرة تنتشر بحرية، وتزداد حالات التهديد والابتزاز، مع غياب الردع الحقيقي والتطبيق الصارم من قبل السلطات.
مع المآسي اليومية للمواطنين، يزداد السؤال عن المسؤولية: ¿هل السلطات حريصة على حماية المواطن، أم تكتفي بإجابات فضفاضة وإجراءات شكلية؟ فالشكوى للأمن غالبًا ما تواجه باللامبالاة، ووثائق الضبط تتلاشى بين الإجراءات الروتينية، وحقوق المواطنين تتعرض للإهمال، فيما تصريحات المسؤولين تدعو إلى الحذر والتشديد، دون أن تتجسد على أرض الواقع.
كيف نضمن أن يكون الفضاء العام محترمًا، وأن يكون رجال الأمن سندًا للمواطن، بدل أن يكونوا عائقًا في قضايا الابتزاز والاعتداء؟ كيف نؤسس لمنظومة قادرة على تنظيم المهن المرتبطة بحراسة السيارات، عبر لائحة مرخص بها، ونظام إلكتروني يتيح للمواطن دفع الرسوم واستلام الوصل الواضح، بدل اللجوء إلى الدفع تحت الطاولة والاستسلام للابتزاز؟
نحو مستقبل أكثر أمانًا، وأعلى احترامًا للقانون، يجب أن نعي أن الفضاء العام ملك للجميع، وليس ساحة للاحتكار، وليس ساحة للمحتكرين من غير الشرعيين. سترة صفراء لم تعد شعارًا تنظيميًا، وإنما علامة على الحاجة الماسة إلى القانون، والعدالة، وحماية المواطن الذي أصبح هو الحلقة الأضعف في معادلة تسيير المجال العام.
حتى يحين الوقت لإعادة التوازن، وتطبيق القانون على الجميع، يبقى المواطن وحيدًا، يتفاعل مع واقع مرير، في غياب دولة الحماية والضبط، في انتظار صيغة جديدة، وعدالة تُعيد التوازن للفضاء العام.
التعليقات مغلقة.