ملاحظات سريعة على حوار مستشاري الملك

عمر الشرقاوي

في حوار نشرته وكالة فرانس بريس امس الأحد، خرج اثنين من المستشارين الملكيين للإدلاء بتصريحات حول عدد من القضايا التي صاحبت 20 سنة من حكم الملك محمد السادس. سيكون من العبث الاقتناع بان خروج مستشاري الملك اقتضته ضرورة المجاملات الإعلامية لوكالة فرنسية من أشخاص يشتغلون الى جانب الملك حسب نظام عمل صارم وادوار محددة محاطة بواجب التحفظ والتقاليد المرعية. فلا شك ان ادلاء كل من عمر عزيمان وعبد اللطيف المنوني لارائهما تم بعناية فائقة لم تترك مجالا للصدفة والتأويلات العابرة. ومن خلال متابعة الظهور الإعلامي يمكن الإدلاء بعدد من الملاحظات تهم شكليات ومضامين الحوار قد تساعد على فك بعض رسائله المعلنة والضمنية.

الملاحظة الاولى التي تتبادر الى الذهن هي لماذا اختيار عمر عزيمان وعبد اللطيف المنوني؟ من المؤكد ان الحديث باسم القصر تقرره السلطة العليا، وبطبيعة حال فشخصيتي عزيمان والمنوني، من اكثر شخصيات المحيط الملكي تفاعلا مع الملفات المجتمعية حتى جعلت منهما بالفعل اكثر من اعضاء في السلطة التنفيذية بل ظهر نفوذهما في بعض القضايا حتى تجاوز الحكومة الفعلية كما قال ذات يوم الباحث السياسي كلود بالازولي صاحب كتاب المغرب السياسي. بالإضافة الى ذلك فان الملك دأب على تكليف المستشارين لتمثيله وتلاوة الرسائل الملكية الموجهة للمؤسسات والانشطة الرسمية التي ترعاها المؤسسة الملكية.

الملاحظة الثانية تتعلق بحساسية المواضيع التي تطرق اليها مستشاري الملك، فلم يكن حوارا شكليا بروتوكولي يتوخى تسويق صورة وردية للملكية ولم يكن لقاء صحفيا لبناء بروباغندامعينة تتخوف من طرح الأسئلة الحقيقية، بل بالعكس حوار جريئا وتطرق لقضايا شديدة الحساسية بالنسبة لشخصيات قريبة من اعلى سلطة في البلد تتعلق باختصاصات الملك، وطبيعة النظام الملكي، ودور الاحزاب السياسية، والجدوى من الإصلاحات، وتقييم المشاريع والاوراش الملكية بعد عشرين سنة من الحكم.

الملاحظة الثالثة، تتجلى في جرأة وواقعية اجوبة مستشاري الملك التي تجاوزت سقف خطاب الفاعل الحزبي، الذي عادة ما يفرض رقابة ذاتية على سلوكه وخطابه دون تلميح من اي جهة. فان يصرح عمر عزيمان بان هناك نوعا من عدم الرضى على الحصيلة، لأن مسلسل التنمية الذي انطلق منذ عشرين سنة لم يستفد منه الجميع داخل الوطن، فهذا منتهى الخطاب الواقعي الذي يمكن ان يصدر عن شخصيات شديدة التحفظ، لكن الذي يعد امتدادا لجيل الخطابات الملكية أظهرت عدم رضاها عن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

الملاحظة الرابعة، تتمثل في اختلاف التقديرات داخل المحيط الملكي بشان عدد من القضايا، كما عكسه تفاعل مستشاري الملك بشأن تصور ملكية برلمانية في المغرب، إذ قال عزيمان: “لسنا في إطار نظام يشبه الملكية الإسبانية، أو الهولندية، حيث يسود الملك دون أن يحكم، نحن في ظل نظام ملكية من نوع آخر، لكن سلطات الملك محددة”، بينما يرى المنوني أن المغرب في طريقه نحو ملكية برلمانية، وقال: “نحن على طريق ملكية برلمانية، لكن بطبيعة الحال لاتزال ثمة ربما بعض المقتضيات، التي يلزم تجويدها”. هذا الاختلاف في التقدير السياسي ليس عيبا بل بالعكس تماما، فهو يجسد نقطة قوة بالنسبة للملكية التي لا تريد الاستعانة بشخصيات تتخوف من ابداء المشورة والرأي مهما تنوعت المقاربات واختلفت التقديرات.

الملاحظة الخامسة، حدد الحوار اجندة اولويات الملك محمد السادس لما بعد عشرين سنة من الحكم والتي تتجلى في تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية. فبعد اوراش التقدم في مجال الإصلاحات الديموقراطية وبناء دولة القانون وتعزيز حقوق الإنسان، وطي صفحة الماضي وإنجاح تجربة العدالة الانتقالية، دخلت الملكية ورشة ضخمة يستوجب إنجازها صياغة نموذج تنموي جديد يكون أكثر حرصا على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية. كما يستوجب نهج سياسة مجالية جديدة ستساهم فيها الجهوية المتقدمة بقوة (توسيع صلاحيات الجهات المحلية وفق المستشار الملكي عمر عزيمان.

الملاحظة السادسة تؤكد أن ما سكت عنه الحوار قد يكون أهم مما ذكره، فالحوار لمح الى ان الملكية على اطلاع كامل بالقضايا التي يتداولها الرأي العام والطبقة السياسية، حول الفعل الحزبي والملكية البرلمانية، والجدوى من المؤسسات والسياسات، وان الثقافة الملكية لا تتوانى في ممارسة النقد العميق للاوضاع دون حرج.

الملاحظة السابعة الحوار يعطي درسا بليغا للطبقة السياسية وتطالبها بلعب ادوارها كاملة دون نقصان واستثمار المساحات الدستورية الى اقصى حد ممكن، والا ترمي باعطابها على وضعفها على مؤسسات اخرى، مما دفع المنوني الى القول ان الدستور الجديد يتيح للأحزاب السياسية إمكانيات أكبر لتفرض نفسها مقارنة مع الماضي، لكن التطور المنتظر على هذا الصعيد لم يتحقق بعد في الواقع ويلزمه الكثير من وقت وفق تقديرات مستشاري الملك.

التعليقات مغلقة.