واقع الحقوق المدنية للمهاجرين الأفارقة وفق الديباجة المنصوص عليها في دستور 2011

الأستاذة أنيسة أكروم: طالبة باحثة في سلك الدكتوراه

سلسلة محاور تفتحها الأستاذة أنيسة أكروم، الطالبة الباحثة في سلك الدكتوراه عبر جريدة أصوات تنويرا للرأي العام حول بعض الحقائق الواجب الانتباه إليها كحقائق وكمعطيات لا بد من الوعي بها دفاعا عن الحق في شموليته، اليوم تتناول الأستاذة واقع الحقوق المدنية للمهاجرين الأفارقة وفق الديباجة المنصوص عليها في دستور 2011.

 

 

أولا: واقع الحقوق المدنية المعترف بها للمهاجرين الأفارقة في دستور 2011 (الحق في الحياة)

 

 

يقصد بالحقوق المدنية، تلك الحقوق لا يمكن إلغاؤها أو الحد منها، كونها وجدت مع الإنسان ولصيقة به وتستقل بشكل تام عن الحدود والدول، وهي المنصوص عليها في القانون الوضعي، إذ يعترف بها القانون لكل فرد يعيش داخل مجتمع ما، بهدف تحقيق مصالحه الخاصة، أي تلك الحقوق وغيرها من الحريات التي تمت دسترتها بصيغ وعبارات عامة وشاملة والتي تنطبق على إنسانية الأفراد المتواجدين على ترابها، دون ربطها بالمواطنة، وبشكل ملائم لما تضمنته مختلف المواثيق الدولية التي يعد المغرب طرفا فيها، وهي تنبني في أساسها على المبادئ الكبرى لحقوق الإنسان كالمساواة ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب اللون أو المعتقد أوالثقافة أو الإنتماء الإجتماعي أوالجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما كان، حيث يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، حسب الفصل 20.

 

 

وحيث تحول المغرب نسبيا من بلد مصدر وعبور للمهاجرين إلى بلد استقبال لهم، عمل المشرع الدستوري على تمتيع المهاجرين بصفة مطلقة بمجموعة من الحقوق المدنية، منها:

 

 

1الحق في الحياة

 

 

وهو حق لصيق بأي إنسان، وقد نصت عليه جل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما أن الدساتير الوطنية نصت على حق الإنسان في العيش كأسمى حق في حقوق الإنسان الواجب حمايتها، وفرضت الجزاءات اللازمة على من اعتدى على هدا الحق، كما لا يمكن التحدث عن أي حق من حقوق الإنسان دون أن يكون الشخص حيا.

 

 

فقد نصت المادتين 2و3 من الإعلان العالمي على أن الحق في الحياة حق متأصل لكل إنسان؛ وهو  نفس ما جاءت به المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة الثانية للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهذه المواثيق تشكل النواة الصلة لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب.

ورغم دسترة الحق في الحياة كأول حق لكل إنسان [1] بناء على الفصل 21، إلا أن هناك انتهاكات تمس هذا الحق وتفضي بالمهاجرين إلى التهلكة خاصة أثناء عبور الحدود، كما في مأساة سياج مليلية في 24 يونيو 2022، عندما حاول نحو 2000 مهاجر، أغلبهم أفارقة من جنوب الصحراء والسودان عبور السياج الحدودي العسكري ليواجهوا بردع عنيف من قبل السلطات المغربية والإسبانية مما اسفر عن مصرع 23 منهم، ليتم بالتالي الإشارة بأصابع الاتهام من قبل الأمم المتحدة[2] ومفوضية الاتحاد الإفريقي وبعض المنظمات الأورروبية والمغربية لحقوق الإنسان، للسلطات المغربية باستعمال العنف المفرط المفضي للموت[3].

وحيث أن الحق في الحياة غير قابل للمساس ويفرض تدخلا إيجابيا، فإن التصرف السلبي يكمن في غض النظر عن منع القاصرين عن الرمي بأنفسهم في البحر الأبيض المتوسط، ذلك أن الموقف المحايذ لشرطة الحدود أمام حرية المغامرة بالسباحة من أجل العبور بحرا [4]  كما وقع عام 2021 بين المضيق وسبتة سيسمح بالممارسات اللإإنسانية المفضية للموت غرقا، بل إن الابتزازات السياسية بين الدول ستصبح غطاء مشروعا لمسألة إزهاق الأرواح عند التدخل العنيف دون محاولة احتواء الظاهرة وتجاوز الممارسات اللاعقلانية والعشوائية لرجال السلطة[5].

المنطق لا يتقبل كذلك أن ترمي بشخص إلى التهلكة، خاصة من ترسخت بذهنه الهجرة أو الموت، وهي الفكرة التي يستحيل معها الحصول على صفر هجرة أو الحد منها خاصة، مع عدم توفر الأمن الغدائي، إن لم نقل الإنساني في البلدان المصدرة جنوب الصحراء، مما يؤثر على تداعيات الهجرة الدولية، ونعني الحق في الحياة والعيش الكريم الذي يشكل نسقا مع توفر الحقوق الأخرى التي بدونها لا يشعر المهاجر بالاستقرار، فهو يعيش رعبا دائما خوفا من الترحيل، فيفضل بعده الرمي بنفسه في قوارب الموت أملا في الوصول إلى حيث توفر حياة أفضل.

تقريبا نصف المستجوبين من المهاجرين الأفارقة قالوا إنهم مصممون على عبور الحدود البرية والبحرية لولا تواجد الحراسة المشددة، ولو كانت نسبة الوصول لا تتجاوز 10 في المئة، ومهما كان الثمن ولو على حساب أرواحهم وحقهم في الحياة، إنهم مستعدون للتنازل عن حقهم في الحياة في قوارب الموت[6] لأن البواعث أقوى منهم وهم غير مقتنعين بفكرة الرجوع إلى بلدانهم حيث المجاعة والحروب، ولم يعد يعني لهم الاستمرار في العيش شيئا، في تأكيد لفكرة “شوبنهاور” الذي يعتبر الحياة معاناة، وبأنها شر في حد ذاتها، ولكونها كذلك فكيف يمكن أن يكون فقدان الشر ضرا؟ ويقول إنه ينبغي أن نعتبر الموت شيئا مباركا، وخلاص من الألم المستمر للوجود[7].

وما يمكن استخلاصه هو أن الحق في الحياة هو من الحقوق المتأصلة ومبدأ أخلاقي يضمن للإنسان عدم التعرض للقتل من قبل إنسان آخر أو من قبل نفسه، فلا يجوز لأي فرد بما في ذلك الحكومة أن تحاول إنهاء حياة أي مهاجر إلا في حال تنفيذ حكم صادر عن محكمة يسبب إدانته بجريمة ينص القانون على معاقبته عليها، مما يفرض على الدولة سن قوانين لحماية هذا الحق، أو سن إجراءات خاصة لحماية الراغبين في ركوب البحر بطريقة غير شرعية لأن حياتهم مهددة بالخطر.

 

 

المراجع:

 


[1] الفصل21من دستور 2011

[2] حسب بيانات الأمم المتحدة فإن أكثر من 60 ألف مهاجر على مستوى العالم قد ماتو مند عام  2000، الأمر الذي اعتبره الأمين العام سببا للعار الجماعي.

[3] حظرت المادة 33 م اتفاقية جنيف لسنة 1951 الخاصة باللجئين من طرداللاجئين أوردهم إلى الحدود أوالأقاليم حيث حياته أ و

حريته مهددتان لسبب من الأسباب التي تخول له حق اللجوء.

[4] حسب إحصائيات منظمة الهجرة الدولية، فقد وصل الذين تم حتفهم في البحر الأبيض المتوسط سنة 2017 إلى غاية 15 أكتوبر منه 2776، انظر موقع المنظمة: www.iom.int/fr/news consulté le: 16/10/2022

[5] حسب تصريح “لجوسيب لوبريت” رئيس المنظمة الدولية للهجرة بنيجر في جنيف، فقدوصل عدد المفقودين في منطقة الصحراء

الكبرى منذ سنة2014  إلى غاية شهرأكتوبر2017 ،الى30 ألف مهاجرمفقود:  

  – www.alyaom24.com/966346.html  Consulté 17/10/2022

[7] من رواية “علاج شوبنهاور” للكاتب أرفين د. يالوم

التعليقات مغلقة.