من ذاكرة تجارب الفعل الاعلامي المحلي/الجهوي بتازة قبل ربع قرن

عبد السلام انويكًة 

 

 

وعيا بأهمية المحلي/الجهوي في إعادة هيكلة تراب مجتمع. عبر صهر ما هنالك من مكامن وخصوصيات ضمن كيان من شأنه تجاوز كل تفاوت. ووعيا أيضا بدور كل قرب وما يمكن أن تسهم به الترابية الإعلامية في التنمية المحلية.

 

 

وفي أولى تجاربه الحديثة وبداياته كما هو غير خاف عن مهتمين. ارتبط موطن الإعلام المحلي/الجهوي بأوربا الغربية تحديدا منها ألمانيا. عندما اقتنعت هذه الأخيرة قبل عقود من الزمن. بأهمية هذا الرهان في كل تغيير وخطوة وتوجيه ومقترح وتشارك وبناء واستشراف.

وعليه، ما أحيط به هذا الورش من حيث توفير ما هو داعم من شروط اشتغال. فضلا عن جهد تعبئة لجعله بأولوية ترابية.

ولعل بقدر ما انتهى إليه هذا البلد من نتائج وتجارب إعلامية محلية رفيعة المستوى. بقدر ما كان بسبق وريادة لدرجة النموذج بتقدير باحثين دارسين إعلاميين على الصعيد العالمي.

ومن ثمة ما شهده إعلام القرب هذا عبر مراحل. من قناعة واعتماد ومكانة وصدى. وأيضا من اتساع دائرة انسجاما مع مستجدات باتت بحاجة لمواكبة.

سياق وصدى لا شك أنه كان بأثر فيما طبع بلادنا من وعي قبل حوالي ربع قرن من الزمن. علما أن إعلام مغرب ما بعد الاستقلال ارتبط عموما بمثلث: طنجة، الدار البيضاء، فاس. المجال الذي أفرز أولى تجارب صحافة مستفيدة من سلطة مركز ووعاء نخب وطبع وتوزيع. فضلا عن دعم أنشطة ومؤسسات.

ولا شك أن صحافة المغرب المحلي/ الجهوي، هي بتعدد قراءة بين هذا وذاك من مهتمين وفاعلين ودارسين. ومن ثمة من نظر يخص بداياتها. وإسهاماتها وصداها وإشعاعها ومهنيتها ووظيفتها وبصمتها. ودرجة انتظاميتها منذ حوالي ربع قرن. وقد بلغ ورشها ما بلغ من عناوين وتحرير واهتمامات وتأطير وتوازنات ترابية وغيرها. مع أهمية الإشارة لِما أحيطت به تجارب المغرب الإعلامية الورقية المحلية/الجهوية. من نقاش ورأي بملتقيات وندوات حول ما هو تكوين وتطلع ومكونات وأخلاقيات وحضور وتجويد وتوزيع … فضلا عن كلفة استمرار وطبيعة دعم ووعي وحق في معلومة وغيرها.

والواقع أن ما تم الحديث عنه من جهوية ترابية ثم من جهوية متقدمة لاحقا. وما أحيط به هذا الورش منذ حوالي ربع قرن من الزمن، من مقاربات بمنتديات هنا وهناك. وما حصل من تنظيمات مؤسساتية ومجالية فضلا عن تطلع لتنمية محلية ودمقرطة. انسجاما مع كل توزيع ترابي وطني جديد. كان بحاجة لآلية إعلام ومن ثمة من دور مواز لصحافة جهة رافعة. من أجل إبراز خصوصيات جهات البلاد وقضاياها ومجالات استشرافاتها. وليكون إعلام القرب هذا بجدل وحضور ومساهمة بناءة في تنزيل جهوية مغرب.

وعليه ما كان ينتظر من يقظة إعلام قرب مواكب. بدرجة مهنية ودينامية ومستوى فاعلية ومسؤولية. عبر ضوابط وموارد بشرية ومؤسسات وكفاءات وأخلاقيات وتأهيل وتكوين مستمر. تفاعلا مع واقع تغيرات تطور سريع وتدفق معلومة ومعطيات. فضلا عن تواصل وتقنيات اتصال ورقميات.

من ذاكرة تجارب الفعل الاعلامي المحلي/الجهوي بتازة قبل ربع قرن
الصحافة الجهوية بتازة

 

ولم تكن تازة غائبة عن مخاض ما طبع مشهد البلاد من ملمح إعلامي محلي جهوي. وما بات عليه هذا الأخير من رهان قبل حوالي ربع قرن. إثر ما حصل آنذاك من رؤية ورغبة في إعلام محلي قبل ما هو كائن من منابر وزمن رقمي منذ عدة سنوات. وقد رافقته ما رافقته من أسئلة وملاحظات نجاعة وضبط وضوابط وقرب. فضلا عن مساحة وعي وطبيعة عقليات وذهنيات.

كلها اعتبارات وسياق يسجل ضمنه كون ما شهدته تازة تجارب صحفية محلية/جهوية. يعود لأواخر تسعينات القرن الماضي ومطلع الألفية الجديدة. عندما كانت يوميات المغرب الحزبية لا تزال بقوة وقع وسلطة وتأطير. على إيقاع تجارب مؤسِّسة لصحافة مستقلة وتعبير جديد. عبر عناوين سرقت الأضواء والقراءة والتتبع بشكل لافت. لدرجة ما شهدته من اكتساح جامع شعبي في ظرف قياسي. وهو ما جعل مشهد المغرب الصحافي وخطوط تحريره آنذاك بعجلتين ومنعطف. وقد أفرز هذا المنعطف ما أفرز من رؤية وإغناء ورأي ونقاش ومسار وتدافع ومن ثمة من أسئلة.

هكذا موازاة مع ما طبع تسعينات القرن الماضي من تحول صحافي ورقي. اتسع وعاء تجارب ما هو محلي منها على صعيد عدد من المدن المغربية. منها تازة عبر ما أثثها من عناوين لا يزال بعضها قائما مستمرا فاعلاً على درجة من الزمن والتراكم والقيمة المضافة. علماً أن ما انفتحت عليه المدينة من تجارب صحافية قبل حوالي ربع قرن. كانت مبادرات ذات طبيعة فردية. سواء تعلق الأمر بجريدة “المؤطر” أو جريدة “الحدث التازي”. فضلا عن تجربة أخرى انتهت في مهدها آنذاك. وقد تعلق الأمر بأسبوعية محلية اختير لها “البرج التازي” عنوانا. تلك التي بقدر ما كانت ترومه من إغناء. بقدر ما كانت فكرة ونتاج ثلة من أبناء المدينة كانوا على درجة من خبرة ثقافة وكتابة وبحث وصحافة وإعلام.

وبقدر ما كانت عليه المدينة من تأسيس لفعل صحفي محلي/جهوي، عبر ما سبقت الإشارة إليه من إيقاعات تجارب. بقدر ما كانت بدينامية مراسلين صحافيين وصدى رفيع لهم عبر مختلف الجرائد الوطنية. خاصة منها المستقلة من خلال طبيعة خطابها وتحريرها. حيث يومية الصباح وما أدراك ما “الصباح” آنذاك. ثم الأحداث المغربية وما أدراك ما سلطة وصدى وقوة وقع يومية الأحداث المغربية في علاقتها بقضايا المدينة وجدل اهتمامات مجتمعها. دون نسيان ما أحيطت به تازة من عناية وخدمة عبر رئيس تحريرها آنذاك، ابن تازة الأستاذ “عبد الكريم الأمراني”.

وفضلا عما كانت عليه المدينة من زخم إعلام وإعلاميين. ومن ثمة من انتماءات وحضور لنقابة وطنية للصحافة. ودورات تكوين وتأطير ومشاركات وإسهامات ونقاشات بملتقيات هنا وهناك محليا جهويا ووطنيا.

تعزز مشهدها الإعلامي بميلاد إطار جمعوي ارتأى له جمعه المؤسس آنذاك “النادي التازي للصحافة” عنوانا. وكان أول جمعية قانونية استهدفت جمع شمل ممثلي إعلام. وفق رؤية وبرنامج عمل وشروط عضوية وثقافة انفتاح وتنوع واستقلالية وتشارك خدمة للشأن الإعلامي وترسيخا لتعبيره محليا. من خلال مساحة تأطير وتطوير لمعارف وقدرات وكذا مساهمة في إغناء النقاش العمومي والترافع لفائدة منخرطين.

ويسجل لنادي تازة الصحافي ما كان عليه من إسهامات إغناء. وتنشيطا للمشهد عبر نقاشات وموائد فكر وجسور تواصل ووجهات نظر. مستحضرا متفاعلا مع كل مستجد من انشغالات وقضايا رأي عام محلي ووطني. معتمدا عمل فريق مستندا في مقارباته على ما هناك من مبادئ وأهداف صحافة نبيلة. وقد تمكن من تأثيث بيت وخطاب وإسهام وحرص على ممارسة إعلامية منسجمة رافعة لدمقرطة وحقوق إنسان ورأي العام. فضلا عما أنجزه من تقارير سنوية رفيعة المستوى يحفظها الأرشيف. حول قضايا المدينة والإقليم وشأن التنمية بهما من حيث الحصيلة والواقع والآفاق.

فترة فعل صحافي بتازة قبل ربع قرن. لا يمكن نعتها سوى بالذهبية لِما طبعها من عطاء وجدية وتدفق وسؤال وقوة عنوان ورسالة. ولِما أسدته الصحافة وما أسداه ممثلوها أبناؤها محليا ووطنيا كل من موقعه على تباين بداياتهم وتجاربهم وتحريرهم. وما كان لهم من فضل في إبراز المدينة وشأنها من حيث قضاياها وتطلعاتها ومؤهلات أزمنتها وأمكنتها. فضلا عن فعل صحافة كان بما كان من قوة ترافع ومساءلة وجرأة.

ومن ثمة من وقع ودور معبر وقيمة واعتبار وعناية لدى مؤسسات ومصالح ورأي عام.

ولعل من ذاكرة وهوية وهيبة وجدل وتجليات استمرارية وطبيعة أقلام فترة. ما لا يزال قائما فاعلا من إسهامات منعشة، وما لا يزال صامدا من عناوين على امتداد ربع قرن من الزمن بالتمام والكمال. ممثلا في جريدة “الحدث التازي” التي بقدر ما طبعها من تأسيس وتأثيث وانتظامية وتنوير وقرب، بقدر ما جمع مسارها ومسيرتها طيلة هذه المدة، بين زمن ورقي وآخر رقمي. ومن ثمة ما جعلها تجربة إعلام محلي/جهوي بتميز وذاكرة ومدرسة، وقد أعطت للمنطقة عموما ما أعطت بدليل أرشيف شامخ واستمرارية مستحقة كل ذكر وعرفان واحتفاء.

التعليقات مغلقة.