القنيطرة: شجع المقاولين وصل حد التطاول على الحرمات العسكرية

القنيطرة: نبيل سعدان 

 

لا تزال مدينة “القنيطرة” تعيش تحت رحمة بعض المقاولين الذين لايكادون يجدون مكانا إلا واجتهدو في ضمه وبنائه بلا وازع من ضمير، أو رادع من قانون، حيث أننا أصبحنا نراهم يستغلون بعض المناطق الخضراء ويحولونها بطريقة قانونية أو احتيالية، وتحت مرأى ومسمع الجميع الى عمارات إسمنتية بجودة منخفضة وعمر افتراضي، و بدافع وحيد هو تحقيق أرباح خيالية.

 

بشكل هيستيري نبتت العمارات في المدينة، وفي منظر مقزز، حيث نشاهد هنا وهناك حواجز قصديرية حول الورش كإشارة على بدء عملية الحفر من أجل بدء إبادة المناطق الخضراء وبزوغ نجم الإسمنت، بل الأكثر من ذلك، وهو ما دعانا لكتابة هذه السطور في هذا المقال الذي نعتبره إستنكارياً ان صح القول والتعبير، ودعوة لمصالح الإسكان والتعمير لتحمل مسؤولياتها الوطنية والتدبيرية والزجرية والسهر على التقيد بالقانون المنظم لعملية الترخيص بالبناء.

 

فما نراه على أرض واقع “القنيطرة” هو تطاول بعض المقاولين على حرمات الثكنات العسكرية، حيث أنه وفي الآونة الأخيرة بدأت الجرافات عملية الحفر وإثارة زوابع من “صداع الراس” قرب ثكنة عسكرية بل وبمحاذاتها.

 

وإستناداً إلى ما جاء في ظهير 7 غشت 1934 فإن الارتفاقات التي تفرضها المناطق العسكرية على الأملاك المجاورة لها، هو منع الزراعة والبناء فيها لكونها مرفق له طابع خاص، و يقتضي السرية، وبالتالي منع أي تجسس على أنشطتها وأجهزتها بريئا كان أو غير بريء.

 

وإستدلالا على ما سبق ذكره نجد أن حكم المحكمة الإدارية بوجدة، بتاريخ 13/03/1996 قضى بما يلي:
“وحيث أنه بوجود عقار المدعية بقرب الثكنة العسكرية بمسافة أقل من 37 متر، يكون القرار بمنعها من بناء قطعتها الأرضية شرعيا ومطابقا للقانون وذلك بالإستناد الى الفصلين 1 و2 من ظهير 7/8/1934.

وحيث إن الطاعنة وان كانت تتوفر على رخصة البناء مسلمة من المجلس البلدي، فإن الترخيص لا يحول دون تطبيق الأنظمة والقوانين الخاصة ومنها الظهير المذكور”.

 

“إن قرار السلطة العسكرية القاضي بمنع البناء، حتى ولو توفر المالك على رخصة للبناء يعتبر قرارًا إداريا، ورخصة البناء المسلمة من المجلس البلدي لا تحول دون تطبيق الأنظمة والقوانين الخاصة، وخصوصا ظهير 07/08/1934 المتعلق بالحرمات الدفاعية.

 

وحسب ما ذكر، يمكننا طرح عدد من الأسئلة في هذا السياق، علما بأن البناية موضوع المقال محاذية لثكنة عسكرية بجانب شارع “القادسية” بمدينة القنيطرة، وهو كيف حصل مالك العقار موضوع المقال على رخصة البناء أو الإستغلال من السلطات الجماعية في عهد المجلس السابق والإدارات التي مر عليها الملف؟، لماذا لم تراعى في عملية منح الرخصة تواجد الملك بجوار حرمة عسكرية؟، أي وجوب المحافظة على المرفق العسكري وأسراره؛ علما بأن العمارة من عشرة طوابق، أي أنها عرضة لاحتمال كبير على التجسس ومشاهدة ما يدور داخل الثكنة من مسافة بعيدة وبشكل واضح، هل سيتم التحقيق في ذلك؟، هل ستتصدى إدارة الملك العام المعني لهذه الرخصة وتمنع البناء وغيره وتوقف الأشغال؟، وأخيراً هل سيزحف الإسمنت مستقبلاً إلى أرض الثكنة العسكرية وتحول الى عمارات شاهقة؟؟.

 

وهنا الكلام يتجاوز منح الرخصة إلى مسؤوليات هيئة الدفاع الوطني في ردع هذا التعدي على حرمة مؤسسة عسكرية وتعريض حضورها لمنطق “الاختراق الأمني والعسكري”، وهو ما يهدد ليس الملك في حدة ذاته بل أسرار مؤسسة أمنية تأخد بعدًا استراتيجيا داخل منظومة جهاز الدولة، وتضعه موضع مصادرة حرمته واستباحة أسراره من قبل جهات من الممكن أن تعرض الأمن العام للخطر بما يهدد أسرار المؤسسة العسكرية بما يهدد سلامتها وحضورها كقوة تحظى بكل مقومات الحماية الأمنية الدقيقة حفاظا عليها كمؤسسة وطنية تحظى بالمرتبة الأولى في مجال الحماية، ومصادرة هذا الترخيص الممنوح للأغيار من الخواص، حتى لا يستهدف هذا المرفق الحساس والإستراتيجي في جسد الدولة المغربية.

 

وللإشارة فإن العديد من المهندسين رفضو تصميم التهيئة لأنهم طالبو بأن تكون مناطق خضراء، وكان من المستحسن أن تحتوي تلك البقعة الأرضية ملاعب للقرب، علما أن البناية من عشر طوابق وهو ما يجعلها تطل بشكل مباشر على كل تفاصيل المؤسسة العسكرية وتصوير كافة تفاصيلها الأمنية والعسكرية المحكومة بالسرية الواجبة حفاظا على أمننا الوطني الاستراتيجي. 

 

والنص القانوني الذي تم خرقه واضح في أبعاده القانونية والأمنية حيث حث المطلب الأول على ضرورة تقييد حرية استغلال الملك المجاور للملك العام، مؤكداً على أنه “يستفيد مالك العقار من مجموعة من الحقوق على ملكه، وقد حددتها مدونة الحقوق العينية، لكن قد يترتب على ممارسة صاحب العقار المجاور للملك إلحاقه أضرارا بالمنفعة العامة أو ضررا بمرفق عام، لهذه الغاية نجد أن الأملاك العامة تثقل بعض الارتفاقات على الأملاك المجاورة لها”.

 

خاصة وأن المشرع قد نص بالنسبة للارتفاقات التي تفرضها المرافق العسكرية على الأملاك المجاورة لها قواعد صارمة، حيث نجد أن ظهير 7 غشت 1934، كما ذكرنا سابقا، يمنع على صاحب الملكية المجاورة للمناطق العسكرية من البناء والزراعة، في جزء من العقار المجاور لها، وتحدد مساحة الأجزاء المثقلة بارتفاقات إما بموجب قانون أو بقرار إداري.

والتساؤل الذي قد يطرح في هذا الصدد، هو الحالة التي يحصل فيها مالك العقار المجاور على رخصة من السلطات الجماعية بالبناء، أو رخصة بأي استغلال كان لملكه، وكانت هذه الرخصة تتعارض مع المحافظة على المرفق العسكري، هل سيزول الارتفاق، أم أن إدارة الملك العام المعني ستتصدى لهذه الرخصة وتمنع البناء وغيره، لكونه مرفق له طابع خاص، يقتضي السرية، وبالتالي منع أي تجسس على أنشطتها وأجهزتها بريئا كان أو غير بريء.

 

النص القانوني والقرار القضائي واضح كما أسلفنا الذكر وقد قضى بأن “قرار السلطة العسكرية القاضي بمنع البناء، حتى ولو توفر المالك على رخصة للبناء يعتبر قرارًا إداريا، ورخصة البناء المسلمة من المجلس البلدي لا تحول دون تطبيق الأنظمة والقوانين الخاصة، وخصوصا ظهير 07/08/1934 المتعلق بالحرمات الدفاعية”، وهو ما يقتضي من كافة الجهات ذات الصلة بالموضوع، خاصة العسكرية منها التدخل بصرامة، لمنع هذا الخرق والتعدي على حرمة مؤسسة عسكرية تتمتع بالصلاحية السيادية، ومحكومة بضوابطة السرية الواجبة حفاظا على أمن الدولة، وضمانا لحسن سير مرفق استراتيجي هام يحضى بالأولوية في كل القرارات التي يمكن أن تصدر من أية مؤسسة كيفما كان نوعها، لأن الأمر يتعلق بأمن البلد غير القابل للمصادرة أو التلاعب تحت أي مبرر كان.

التعليقات مغلقة.