الغرب ودرس السقوط الإنساني أمام فاجعة زلزالي تركيا وسوريا والكرم في دعم أدوات الحرب في أوكرانيا، أي درس لأية إنسانية

3 مليارات دولار لتسليح أوكرانيا و6 ملايين لإغاثة منكوبي زلزالي تركيا وسوريا

أصوات: القسم السياسي

 

وقائع مأساوية صاحبت الزلزال القوي الذي ضرب كلا من تركيا وسوريا، قوته ضربت منطقة تبلغ مساحتها 12 مرة مساحة بلجيكا، وقوته تضاعفت حيث سجل 20 زلزالاً في يومين، بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وهو ما يقابل انفجار ما يعادل 7.5 مليون طن من مادة “تي إن تي”، تبعتها هزة ارتدادية بلغت قوتها 6.7 درجة في وسط وشرق تركيا، وأخرى تابعة قوتها 5.6 درجة على الحدود التركية السورية، وسجل عقب الزلزال ما يقارب 800 هزة ارتدادية.

 

حركات زلزالية قوية وضعت ما يقارب 23 مليون شخص، مع الإشارة إلا أن هاته الأرقام تتغير كل ساعة، موضع الهلاك، فقد سجلت أكثر من 17674 حالة وفاة في تركيا لوحدها، و3377 في سوريا، مع 72879 مصاباً، ونزح أكثر من 100 ألف في تركيا و300 ألف في سوريا

 

هوت المباني الشاهقة المكونة من 12 طابقاً، وتحولت إلى أكوام من الأنقاض، دُمِّرَت مناطق بأكملها، وقد تحطَّمَت الطرق الرئيسية وخطوط السكك الحديدية بين المدن الكبرى أو اختنقت بحركة مرور المساعدات. 

 

أرقام تعكس هول الكارثة التي حلت بالمنطقة.

 

 على الرغم من قوة وهول الفاجعة إلا أن العالم لم يرسل فرق الإنقاذ والبحث إلا بعد مرور 3 أيام، وتعاطف دولي لم يكن في المستوى المأمول، شح في التعامل مع المأساة التركية السورية، تضع الضمير العالمي موضع تساؤل.

 

في الجهة المقابلة هوس عالمي على دعم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وسخاء دولي اتجاه آلة الحرب في أوكرانيا، غاب الألم التركي السوري، وحضر “زيلينسكي” الذي أصبح الرجل الشجاع الذي يرتدي الكاكي، والذي تحول في الوعي السياسي إلى تقاطع بين “تشرشل” و”بوديكا” و”جان دارك”، بطاقة سياسية مطلوبة ساخنة وملهمة وفاتحة للصناديق كما كل أنواع الموت المتحرك

 

في بريطانيا وجد “زيلنسكي” في استقباله 2.3 مليار جنيه إسترليني (2.7 مليار دولار) من المساعدات العسكرية وفق تأكيد رئيس الوزراء، ريشي سوناك، وهو نفس المبلغ الذي قدمته بريطانيا ل”زيلنسكي” العام الماضي، وهو ما يجعل بريطانيا ثاني أكبر مانح عسكري لأوكرانيا.

 

المشهد إن عكسناه يكشف حقيقة هذا العالم القائم، والقيم التي تتغنى بها أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، والغرب عموما، 2.7 مليار دولار من المساعدات ل “زيلنسكي” في المقابل أعلن وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، أن المملكة المتحدة ستقدم ما يصل إلى 5 ملايين جنيه إسترليني (6 ملايين دولار) من التبرعات العامة لمآسي الزلزال.

 

المقارنة فارقة، والسقوط العالمي وصل إلى مستوى لا يمكن تصوره، ووزير الخارجية يمدح السخاء البريطاني حيث قال “عندما تضرب كوارث مثل هذه الزلازل الرهيبة، نعلم أن الشعب البريطاني يريد المساعدة، لقد أظهروا مراراً وتكراراً أنهم ليسوا أكثر كرماً ورحمة منهم إلا القليل”، لكن شتان بين الرقمين، والفارق يكشف براغماتية ما يسمى ب “العالم الحر”، 2.3 مليار جنيه إسترليني من الأسلحة إلى أوكرانيا و5 ملايين جنيه إسترليني لإغاثة 23 مليون شخص؟ ما هذا؟ إنه شيء مضحك ويعكس عمق السقوط، إسقاط بوتين هاجس ومنعه من الانتصار تحقيقا لمصلحة الليبرالية تقتضي الكرم الدولي، أما 23 مليون شخص من ضحايا الزلزال فلا يقابل إلا بالفتات من الدعم والتهكم على عمق المأساة.

 

قيس الزلزال وقوته بمقياس “ريختر”، لكن المطلوب هو قياس قسوة الإنسان تجاه الإنسان، وقتل إنسانية الإنسان وسط ليبرالية متوحشة لا لغة لها إلا المصلحة وإدامتها.

 

المطلوب أن تحصل استجابة لمأساة إنسانية، وأن تكون هاته الاستجابة على نطاق عالمي وأن تتجاوز السياسة، لكن ما حصل، وبعد يوم واحد من وقوع الكارثة، نشرت مجلة Charlie Hebdo الفرنسية رسماً كاريكاتورياً يظهر مبنى مُدمَّراً وسيارةً مُدمَّرة وكومةً من الأنقاض مع تعليق: “لا داعي لإرسال ذبابات”. 

 

هذا ليس رسما كاريكاتوريا، إنه سقوط بتصور سيء ودوق ساقط بل تعبير عما تحمله المجلة والقيم الغربية من الكراهية والعنصرية اتجاه الآخر.

 

سقطت هاته المجلة الفرنسية فيما كانت عنوانا له عام 2015 بجعلها مركز للدفاع عن الديمقراطية وحرية التعبير ضد هجمات المتعصبين والإرهابيين -مثلما تُصوَّر أوكرانيا اليوم.

 

الوقائع على الأرض تتحدث عن زوال القوة والريادة ببطئ عن الولايات المتحدة وأوروبا وتراجعها على المسرح العالمي، على يد جيوش “طالبان” في “كابول” أو هجمات جيش “فاغنر”، وفي المقابل تراجع الاتحاد الأوروبي عن دعم مأساة إنسانية، فتح دلالات لتساؤلات مفتوحة، الأكيد أنه خطأ غير مقصود بل أنه يطرح أبعادا كبيرة، كانت مأساة تركيا وسوريا فرصة للغرب لإظهار القيادة الأخلاقية والإنسانية لملايين الناس وقدرته على إعادة البناء والتدمير.

 

الواقع على الأرض أوضح أن فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا لم تجمع مبالغ هامة لمأساة إنسانية، فيما جمع السعوديون أكثر من 51 مليون دولار، وضع يضع رأس بريطانيا في العار.

 

في مقابل هاته القيمة الإنسانية المفقودة توضح حجم الفجوة القائمة بين الأشياء الصائبة التي يجب فعلها، وبين الأشياء التي نفعلها في النهاية. كما تزداد بشاعة تصريحات قادة أوروبا عاماً تلو الآخر.

 

في هذا السياق ألقى جوزيب بوريل، كبير مسؤولي السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، خطاباً أثناء تدشين الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية في بروكسل يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. حيث قال أوروبا حديقة، لقد بنينا حديقة، وكل شيء فيها يعمل بشكلٍ سليم، إنها أفضل مزيج نجحت البشرية في بنائه ليجمع بين الحرية السياسية، والرخاء الاقتصادي، والتماسك الاجتماعي؛ الثلاثة معاً…؛ أما بقية العالم فهو أشبه بغابة، وتستطيع الغابة أن تغزو الحديقة، لهذا يجب على البستانيين أن يذهبوا إلى الغابة، ويجب أن يكون الأوروبيون أكثر انخراطاً في بقية دول العالم، حتى لا تغزونا بقية دول العالم بمختلف الطرق والوسائل”.

 

وإذا كانت هناك فرصة لوضع حدٍّ لهذه الثرثرة البدائية؛ فلا شك أنها قد حانت اليوم.

 

فهل ستستغل أوروبا هذه الفرصة الآن؟ الأكيد لا، لأن لغة المصلحة وحلم الحفاظ على الريادة عكسه مقدار الدعم لقيم إنسانية في مقال كرم في الدفاع عن “زلينسكي، وأوكرانيا، وهنا المفارقة السقوط.

التعليقات مغلقة.