السعار الجزائري ضد مواقف مدريد يجعلها تغرق هاته الأخيرة بالمهاجرين في ابتزاز سياسي مفضوح

محمد حميمداني

شكلت الواقعية الإسبانية والإيمان الراسخ الذي كرسته من خلال تعديل مواقفها الداعمة للانفصال وهي التي عانت من اوزاره في منطقة كاطالونيا صدمة لعسكر الجزائر وهوسا جعلهم يتشبثون بأي خيط، حتى ولو كان خيط العنكبوت، للودي ذراع مدريد بغية إعادتها لحضن الانفصال ودعمه.

الموقف الإسباني يشكل حدثا جيوسياسيا هاما في تاريخ المنطقة

 

شكل الموقف الإسباني انعطافة تاريخية وحدثا جيوسياسيا هاما خلط كل اوراق النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، من موقع التاريخ الذي تعلمه من أرشيفها الاستعماري للمنطقة، ومن موقع العقلانية الجديدة التي ترسخ ثقافة البناء من خلال السلم ووأد النزاعات بناء لمتوسط ينعم بالسلم والأمان ويسود ضفتيه الجنوبية والشمالية تعاون مندمج لبناء مستقبل شعوب المنطقة.

حينما خرج رئيس الحكومة المنتهية ولايته، بيدرو سانشيز، وأعلن مواقفه الواقعية الداعمة للحق والمشروعية، لم يؤمن بالانتخابات وأصوات الناخبين وانعكاسات هذا الموقف الشجاع المتخذ على مستقبله السياسي بل آمن بأن مصلحة إسبانيا في المغرب وأن مصلحة المغرب في إسبانيا لاعتبارات عديدة، ورسخ بالتالي هاته الخطوة ممارسة سياسية على الأرض على الرغم من الرجات التي أحدثتها سياسيا على مستوى الداخل الإسباني.

واقعية الموقف السياسي الإسباني وارتزاقية الموقف الجزائري 

 

واقعية المواقف الإسبانية عبرت عنها مدريد في أكثر من مناسبة، حيث قال وزير الخارجية الإسباني إنه “لا يريد تأجيج خلافات عقيمة” مع الجزائر، مؤكدا أن بلاده “اتخذت قرارا سياديا في إطار القانون الدولي”.

 

موقف إسبانيا اتجاه الصحراء المغربية سيادي، ولا يحق للجزائر التصرف فيه ولا أن يكون مجالا للابتزاز السياسي

 

وهو موقف واضح عبرت عنه مدريد، ويقف عند نقطتين هامتين، أولا أن القرار السياسي لمدريد حق وطني وأممي، وهو ما جسدته إسبانيا من خلال موقفها اتجاه قضية الصحراء المغربية، وبالتالي لا يحق للجزائر التصرف في القرار السيادي ولا أن يكون مجالا للابتزاز السياسي.

إذن فالموقف الإسباني قطع ضبابية المواقف بوضوح الرؤية الاستراتيجية لمدريد التي تخدم مصالحها ليس مع المغرب فقط بل مع إفريقيا، على اعتبار أهمية المغرب ضمن العمق الإفريقي وحضوره الاقتصادي المؤثر على الساحة الإفريقية، وفي المقابل الحفاظ على علاقات متميزة مع الجزائر أيضا وهو ما وصفه وزير الخارجية الإسباني بأنه “لا يريد تأجيج خلافات عقيمة”، ردا على تصريح الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، المندد بهذا التحول في السياسة الخارجية الإسبانية لصالح خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء المغربية.  

 

والثاني تمثل في الرد الإسباني الصريح بأن لإسبانيا الحق في اختيار علاقاتها السياسية والاقتصادية والجيو استراتيجية ولا يحق للجزائر وتبون مناقشتها حتى، لأن الأمر يعتبر تعديا على حقوق وطنية ومؤسساتية راجعة لمدريد حصريا، وهو ما عبر عنه خوسيه مانويل ألباريس عبر أثير إذاعة أوندا ثيرو قائلا: “لن أؤجج خلافات عقيمة، لكن إسبانيا اتخذت قرارا سياديا في إطار القانون الدولي، وليس هناك شيء آخر يمكن إضافته”.

وأضاف بأن الموقف الإسباني اتجاه قضية الصحراء المغربية سيادي وأن رد تبون “غير مقبول أخلاقيا وتاريخيا”.

 

بعد ادعائها الحياد في الصراع القائم في الصحراء المغربية تبون المصعوق بالموقف الإسباني يهاجم مدريد لدعمها الحكم الذاتي

في الجهة المقابلة نجد الجزائر المصعوقة بالقرار الإسباني تخرج عما كانت تدعيه حيادها في الصراع وأن المشكل القائم في الصحراء المغربية هو بين المغرب وجبهة البوليساريو الانفصالية، ليصرح تبون قائلا بأن الموقف الإسباني ضرب العلاقات الجزائرية الإسبانية، معتبرا أن موقف مدريد من قضية الصحراء المغربية “غير كل شيء”، وفق إفادته.

ما الذي غيره الموقف الإسباني ولم يرض الجزائر؟

 

الأكيد أن تبون كان واع حينما اعتبر الموقف الإسباني بأنه “غير كل شيء”، فهو بالفعل غير مجموعة من الحقائق المزيفة وكشف الجزائر كطرف أساسي في الصراع القائم والداعم الأساسي للإرهاب والانفصال وبكونها دولة تمارس الابتزاز السياسي.

كما أن هذا الموقف أعاد المشروعية للقرارات الإسبانية في اتجاه نوع من الواقعية السياسية المطلوبة في التعامل مع هذا الصراع المفتعل الذي عمر طويلا.

يذكر أن مدريد أعلنت  في 18 آذار/مارس دعمها لمخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء المغربية، معتبرة إياه “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع”. فيما استنكرت الجزائر موقف مدريد واستدعت في اليوم التالي سفيرها في إسبانيا.

  

وهو موقف عدائي ما فتئ تبون يصرح به في كل خرجاته الإعلامية، بل ويوفر المال والسلاح للانفصاليين والغطاء السياسي لهم، لكن الموقف الواقعي الإسباني فاجأ الجزائر وأصابها بدوخة لم تستطع الصحو منها، وهو ما عبر عنه تبون بلا حياء ردا على موقف مدريد واصفا إياه بالموقف “غير مقبول أخلاقيا وتاريخيا”.

 

ردا على الموقف الإسباني ولممارسة الابتزاز السياسي ضد الحكومة الإسبانية المقبلة الجزائر تغرق إسبانيا بالمهاجرين

كرد على مواقف مدريد الواقعية والداعمة للمقترح المغربي للحل في الصحراء المغربية، ولممارسة الضغط على الحكومة الإسبانية المقبلة، لجأت الجزائر إلى إغراق مدريد باللاجئين من إفريقيا جنوب الصحراء على الخصوص.   

وفي هذا السياق، كشفت بيانات وزارة الداخلية الإسبانية، أن الطريق البحري الرابط بين الجزائر وإسبانيا، أضحى هو الخيار المفضل حاليًا لدى المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى الأراضي الإيبيرية. 

وما يؤكد هاته السياسة الابتزازية الممارسة من قبل الجزائر هو التقارير المنجزة في هذا السياق، والتي تؤكد انخفاض عدد المهاجرين غير الشرعيين على المستوى العالمي، إلا أنه لا زال مقلقًا على الجانب الجزائري.

الأرقام المسجلة تؤكد هذا النهج الابتزازي الممارس لتحويل مواقف مدريد في اتجاه العودة لدعم الانفصال والإرهاب، حيث تشير البيانات الرسمية، إلى أن عدد المهاجرين الوافدين إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، وجزر البليار، شرق إسبانيا، عن طريق البحر، قد زاد بنسبة 40%.  

إن هذا الوضع يعكس بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الاسلوب، أصبح منهاجا سياسيا للضغط على مدريد والتأثير على موقفها السيادي لصالح دعم مواقفها ومشاريعها المعادية للمغرب ووحدته الترابية، وهو ما تبرزه سياسة الاسترخاء المنتهجة من قبل الجزائر اتجاه إيقاف تدفقات الهجرة انطلاقا من سواحلها، كرد على الاعتراف الإسباني بمغربية الصحراء والتقارب الواضح والصريح مع المغرب، الذي تعتبره مدريد “شريكًا  استراتيجيا أساسيًا“. 

وزارة الداخلية الإسبانية، قالت إن الفترة الممتدة من شهر مارس وإلى غاية غشت من العام  الماضي، شهدت وصول 3640 مهاجرًا  إلى سواحل جزر البليار، عن طريق القوارب، الطريق الرئيسي لحركة الهجرة من الجزائر، فيما سجلت نفس الفترة من العام الجاري، وصول 5121 مهاجرا غير نظامي.

كيف جاء هذا الموقف الجزائري المغرق لمدريد بالمهاجرين؟

الموقف جاء نتيجة التطورات المتسارعة الإيجابية للعلاقات المغربية الإسبانية، والجهد المشترك المبذول من أجل التصدي للهجرة السرية وهو ما مكن من تحقيق حد للهجرة غير الشرعية، حيث انخفض عدد المهاجرين الذين يصلون إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين بحوالي 66.8% إلى غاية اليوم، مقارنة بالأشهر السبعة الأولى من العام الماضي، حيث سجل انخفاضا لموجات الهجرة بنسبة وصلت إلى 3.3%.

جهود سيطرة المغرب على تدفقات الهجرة غير النظامية، أحد أبرز الأسباب التي استخدمها سانشيز ردًا على الانتقادات التي لحقته لتغيير موقف بلاده من قضية الصحراء. 

الأكيد أن هذا الثناء والموقف السياسي للحزب الاشتراكي الإسباني لن يروق لقصر المرادية، صاحب المصلحة الأولى في إدامة الصراع وزعزعة الاستقرار وتهديد وحدة المغرب الترابية.

ابتزاز سياسي جزائري للضغط على الحزب الشعبي لإعادة بوصلة مدريد اتجاه قصر المرادية

الانتخابات الإسبانية الأخيرة ألقت في نتائجها بالحزب الشعبي الإسباني على قائمة الفائزين، وزعيم الحزب المحافظ، ألبرتو نونيز فيخو، سبق له أن قال في وقت سابق، إنه عازم على استعادة العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر، التي توترت منذ الاعتراف الإسباني بالصحراء، متسببة لعشرات الشركات الإسبانية العاملة على الأراضي الجزائرية، في خسارات قدرت بالملايين.

 

إلى أي أفق تسير علاقات مدريد مع المغرب والجزائر؟

 

إلى أي أفق تسير العلاقات المغربية الإسبانية، والجزائرية الإسبانية، سؤال محوري يطرحه المتتبعون للشأن المتوسطي، في ظل لغة الابتزاز ولوي الذراع المنتهجة من طرف قصر المرادية.

ويقابل هاته السياسة الجزائرية سياسة هادئة واقعية غير منفعلة تترقب التطورات، وفي جعبتها العديد من الإجابات المركونة ضمن الاستراتيجية التي حددها عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس، الذي اعتبر أن المصالح مرهونة بالمواقف اتجاه القضية الوطنية الأولى، والتي هزت علاقات الرباط ومدريد، قبل أن يعيد رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز المنتهية ولايته الحسابات، وسيكون هذا هو الدرس الذي يجب أن يعيه ألبرتو نونيز ولا بد له من الإقرار به والاعتراف بواقعية القرارات التي اتخذها سلفه، والإيمان بأن مغرب البارحة قد ذهب بلا رجعة وأنه يجحب عليه التعامل مع هذا الواقع المغربي الجديد بالحكمة والتبصر المطلوبين ضمانا لعلاقات ومصالح مشتركة ومستدامة.

التعليقات مغلقة.